وإنّما قدم تعالى الإبداء على الإخفاء لأنّه الغالب في صدقات الناس والموافق لطبائعهم والإخفاء إنّما هو حظ الخواص بل أخصهم ولذا كان الترغيب عليه أكثر.
ويستفاد من قوله تعالى : (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) ما ذكرنا آنفا من أنّ الأصل في تشريع الصّدقات الفقراء ، وإنّما ذكرهم في خصوص الإخفاء لأنّ فيه حفظ كرامتهم خصوصا حرمة المتعفف ومن ذلك يعرف أنّ كلمة «خير» أفعل التفضيل وقيل : إنّها اسم وليست بمعنى التفضيل فيتساوى حينئذ الإبداء والإخفاء ، ويصح الاختلاف باختلاف الخصوصيات.
قوله تعالى : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ).
أي : إنّ الإخفاء في الصدقات سبب لأن يمحو الله تعالى بعض ذنوبهم. ويمكن أن يجعل ترتب تكفير السيئات بالنسبة إلى كلّ واحد من الإبداء والإخفاء فإنّ الصدقة بنفسها من موجبات التكفير.
وإنّما ذكر «من» التبعيضية لأنّ الصدقة لا تكفّر جميع الذنوب بل بعضها لا تكفر الا برد الحق إلى صاحبه كما عرفت.
قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أي : والله خبير بأعمال العباد ونياتهم لا يخفى عليه شيء لفرض أنّ جميع ما سواه تحت إحاطته وقيوميته وربوبيته العظمى لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السّماء وكيف يغيب عنه شيء وهو الشاهد الحاضر.
٢٧٢ ـ قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
التفات عن خطاب المؤمنين إلى خطاب الرسول تسلية لقلبه الشريف عما كان يشاهده من بعضهم في أمر الإنفاق والصّدقات فأبلغه عزوجل بأنّه ليس عليك إيصالهم إلى الحق المطلوب ولم تكن أنت مسئولا عن ذلك فهو الذي يهدي من يشاء في أصل التوفيق وإنّما عليك البلاغ فلا تحزن على ما يصدر عنهم ولا يضيق صدرك بأفعالهم وهو الحريص على هداهم.