أصل اللغة وقد تقدم في قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة ـ ١٩٦] ، بعض الكلام فيه فراجع.
والآية المباركة تبيّن مصرف الإنفاق والصدقات فإنّه تعالى بعد ما حث على الإنفاق بأبلغ أسلوب ، وأتم وجه ثم بيّن ما يوجب وهن العزائم وأمرنا بالابتعاد عنه ثم ذكر ما يوجب الخلوص والإخلاص فيه ، ذكر في المقام مصرف الإنفاق وهم : الفقراء الذين منعوا عن شؤونهم الدنيوية في سبيل الله تعالى. وأطلق عزوجل الكلام لأنّ أسباب المنع في سبيل الله تعالى كثيرة منها ما هو عادي ومنها ما هو عقلي ومنها ما هو شرعي مثل المرض أو الاشتغال بأمر أهمّ ديني لا يسعه الاشتغال بالكسب أو كثرة العيلة ونحو ذلك مما هو في سبيل الله تعالى ، كما يشمل منع كلّ مانع مباشريا كان أو تسبيبا ولو على نحو الاقتضاء.
ومن ذلك يعرف أنّ الجار والمجرور متعلّق بالنفقة والإنفاق المقدّر المذكور في الآيات السابقة مكرّرا.
ويستفاد من الآية الشريفة : ما ذكرناه آنفا من أنّ الأصل في تشريع الإنفاق هو الفقر وإن كان سبيل الله أعم من ذلك ، فيكون ذكر الفقراء من باب بيان أحد المصارف ، وقد وصفهم سبحانه وتعالى بأوصاف جليلة وعظيمة تدل على نبلهم وشدة ما قاسوه في سبيل الله تعالى ، وهي ست :
الأولى ـ الفقر كما قال تعالى : (لِلْفُقَراءِ).
الثانية ـ الحصر في سبيل الله تعالى.
قوله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ).
هذه هي الصفة الثالثة فيهم أي : عاجزون عن الكسب والتجارة ونحوهما.
قوله تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ).
هذه هي الصفة الرابعة. ومادة (حسب) تدل على الحكم على أحد