وبهذه الصفة تنهي الآية الشريفة أوصاف الفقراء الذين تصرف الصدقات فيهم وهي أوصاف ممدوحة كلّ واحدة منها كافية لتهذيب النفس وتوجب تخفيف ما يقاسونه من الفقر والخصاصة وإذا اجتمعت هذه الأوصاف في فرد فهو القدر المتيقن من مصارف النفقات والصدقات ولا يكفي ثبوت أصل الفقر في الإنفاق عليهم وأخذ الصّدقات وقد فصّلنا ذلك في الفقه من كتابنا (مهذب الأحكام).
قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
أي : إنّ الله تعالى عليم بما تنفقون من الخير يوفّيكم جزاءه.
وفي الآية الشريفة وعد بالجزاء والمضاعفة ، وترغيب إلى الخير وتحذير عن سوء النية فإنّ الله عليم بنواياكم وحكمته البالغة وقضاؤه المبرم وقدره المحتوم على طبق علمه ، فهذه الآية الشريفة على اختصارها متضمنة لجملة من القضايا المحكمة المشروحة في الكتاب الكريم والسنة المقدّسة.
٢٧٤ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً).
أعظم آية تحث على الإنفاق وتبشّر المنفقين بعظيم الأجر والثواب وخطاب إلهي للمنفقين بالأمن والأمان.
وفي الآية الشريفة بيان عموم الأوقات والأحوال ، ويمكن أن يكون ذكر الليل والنهار والسر والعلانية كناية عن الاستمرار على الإنفاق بحيث يصير طبيعة ثانية لهم.
وإنّما قدم سبحانه وتعالى الليل والسرّ على النهار والعلانية لبيان فضل صدقة السرّ لأنّ العمل فيهما أخلص لله تعالى فيكون أقرب للقبول وإن كان الجمع بين الأربعة فيه للدلالة على أنّ لكلّ واحد منهما موضعا معينا.
والسرّ خلاف العلانية وهما من الأمور الإضافية ويلحظان بالنسبة إلى المخلوق وأما بالنسبة إلى الله تعالى فإنّ الجميع عنده علن لا تخفى عليه