هذا إذا كان مشتملا على الطيّب والخبيث. وأما لو كان جميعه من الخبيث فلا بأس بالإخراج منه لأنّ المنساق ما إذا كان المال مشتملا على الخبيث وغيره وقصد خصوص الأول لدناءة النفس.
الرابع عشر : يدل قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) على أنّ سبب البخل والإمساك عن بذل الطيّب خوف الفقر الذي يوجب التثاقل ، والاستمرار عليه يستلزم ظهور ملكة البخل فيؤدي إلى تعطيل أوامر الله تعالى والاستهانة بها ، وهو الكفر بالله العظيم ، وقد أرشدنا الله تعالى إلى بطلان ذلك وأنّ الشيطان هو الذي يعد الإنسان الفقر وهو من وساوسه وحبائله التي توهن عزيمة الإنسان والشيطان لا يعد إلا الباطل والضلال ، ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً).
وقد ذكر سبحانه الوعدين أحدهما وعد الشيطان والآخر وعد الله ليفكر الإنسان فيهما ويعتبر منهما ويختار ما هو الأصلح له بعد بيان طرق الصلاح والهداية وطرق الفساد والغواية. وهذه الآية الشريفة من الآيات التي تدل على اختيار الإنسان في أفعاله.
الخامس عشر : يدل قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) على أهمية الحكمة وعظم منزلتها فإنّها من مواهبه التي يمنحها لمن يشاء من خلقه وهي من الخير الكثير.
وإنّما ذكر سبحانه هذه بعد بيان حال الإنفاق وما يستلزمه في حياة الإنسان الشخصية والاجتماعية ، للإرشاد إلى أنّ ما ذكر هو من الحكمة التي لا بد من مراعاتها والتعهد بحفظها والعمل بما أنزل الله تعالى ليمكن الوصول إلى السعادة الأبدية والكمال المنشود.
السادس عشر : يستفاد من ذيل الآية الشريفة : (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) أنّ كلّ ما يقال في الحكمة هو دون وصفها وأنّه لا يمكن الوصول إلى كنهها ولا بد من وصفها بما وصفه الله تعالى من الخير الكثير ، وهو لا يختص بالأعراض ولا بالجواهر المجرّدة من الممكنات بل تجل في حد الواجب