بالذات فإنّه جلّت عظمته حكيم ، والحكمة عين ذاته الأقدس. فللحكمة مظاهر مختلفة ومتفاوتة وأتم مظاهرها القرآن الكريم وحملته العاملون به ، فهي الخير الكثير سواء في ذاتها أو في غايتها أو في ظهورها وتجليّاتها فهي بجميع شؤونها خير كثير ولا يمكن لأحد الاستغناء عن الخير فضلا عن الكثير منه.
السابع عشر : يدل قوله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) أنّ ترك الإنفاق على الفقراء والمحتاجين مع احتياجهم إليه أو اشتمال الإنفاق على ما لا يرتضيه الله تعالى ظلم كبير غير مرضيّ له تعالى ، ولا يقبل التكفير والشفاعة الا برد الحق إلى أهله ، ونفي النصرة عن الظالمين لا يختص بالدنيا أو الآخرة بل يشمل جميع أنحاء النصرة والإعانة.
الثامن عشر : يدل قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) على أنّ كلّ واحد من الإظهار والإخفاء صحيح ولا بأس به ، لأنّ في كلّ واحد منهما آثارا حسنة وقد مدح الله عزوجل المنفقين بكلّ واحد منهما إلا أنّ الإخفاء إلى الإخلاص أقرب ، وكلّما كان كذلك كان أقرب إلى القبول ولذا كانت صدقة السرّ أفضل من صدقة العلن.
التاسع عشر : يستفاد من قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) شدة ما قاساه الرّسول (صلىاللهعليهوآله) في أمر الإنفاق من أمته حتى وصل الأمر إلى التهديد والإيعاد والخشونة في هذا الأمر المهم ، ولذا كان في الكلام ما يطيب به خاطره (صلىاللهعليهوآله) ويخفّف عن شدة الصدمة عليه ، والجملة متعرضة لبيان شدة اهتمام الرسول (صلىاللهعليهوآله) بهداية أمته وهو الرسول الأمين الرؤوف.
العشرون : يدل قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) على حقيقة من الحقائق القرآنية وهي أنّ نفع الإنفاق ليس أمرا وهميا بل هو أمر حقيقي واقعي يوفيه الله تعالى في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما يختلف حسب اختلاف درجات الإنفاق في الاختلاف وسائر الشؤون ، ولذا طوى ذكر الفاعل لبيان هذه الجهة.