الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا أمر بالنخل أن يزكى يجيء قوم بألوان من التمر ، وهو أردأ التمر يؤدونه عن زكاتهم ، تمر يقال له : الجعرور والمعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى ، وكان بعضهم يجيء بها عن التمر الجيّد فقال رسول الله : لا تخرصوا هاتين النخلتين ولا يجيئوا منها بشيء ، وفي ذلك نزل : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) والإغماض أن تأخذ هاتين التمرتين».
أقول : ما ذكره (صلىاللهعليهوآله) موافق للوجدان الإنساني من أنّ الإنفاق إلى المحبوب وإيصال شيء له لا بدّ أن يكون من شيء محبوب ومرغوب.
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) فقال : «كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها ، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا».
أقول : هذا صحيح فإنّ الطيب يشمل عدم خبث المادة وعدم الحرمة فلو أنفق أحد من أطيب ما عنده ولكن كان ذلك حراما أو مشتبها يصير الإنفاق من الخبيث.
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي في صحيحه ، وابن ماجة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه والحاكم في صحيحه ، والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال : «نزلت فينا معشر الأنصار كنّا أصحاب نخل كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلّته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلّقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف ، وبالقنو قد انكسر فيعلّقه فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا