ويتخبطه مثل يتملكه ويتعبده أي : تتابع الخبط عليه بسبب مس الشيطان له ، فتتابع سقوطه بحيث فقد رشده لا يميّز بين الخير والشر والنافع والضار.
والقيام خلاف القعود والمراد به في المقام : هو النهوض بأمور المعاش قال تعالى : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد ـ ٢٥].
ومعنى قوله تعالى : (كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) أي : لا يقوم في امور المعاش والحياة بالوجه الصحيح والنّهج القويم وذلك لأنّ الإنسان بل سائر الحيوان قد أودع الله تعالى فيه قوة يميّز بها الخير من الشر والنافع من الضار وبها ينظم شؤون حياته باتساق وانتظام وبها يهتدي الإنسان في أفعاله واعتقاداته وينتفع من حياته بالوجه الحسن وما كتبه الله تعالى فيها ، فإذا اختلّت هذه القوة الدرّاكة المميّزة اختلت أفعاله وحركاته وأحكامه فلا يرشد إلى الصحيح منها والنافع كالمصروع الذي فقد فيه التمييز. فلا يقوم في معيشته بالوجه الصحيح النافع.
وفعل المرابي في أخذه الربا من الأفعال التي ليس فيها الخير والنفع وهو خلاف ما تدعو إليه الفطرة المستقيمة والعقل في الأفعال فإنّه اختلاس وابتزاز لأموال الناس من غير عوض فيكون في طرف زيادة ونقصان في الطرف الآخر.
ويمكن أن يكون مس الشيطان موجبا لاختلال نظمه وخبط في أموره في جميع النشآت ، ففي هذا العالم يغلب عليه الوهم والخيال ويبتعد عن الفطرة المستقيمة والقوة العاقلة فيرى كالمصروع ، وفي موقف الحشر يراه جميع الناس كذلك لأنّه عالم ظهور الحقائق والسرائر للجميع فيحشر المرابي كالمصروع وهذا من خواصهم وعلاماتهم ، فإنّ لكلّ معصية أثرها الخاص يظهر في هذا العالم عند أهل الحقائق والبصائر وفي عالم الآخرة عند كشف السّرائر. فلا يكون ما في هذا العالم الذي نحن فيه الا مادة واحدة تتبادل عليها الصّور والأعراض ، بل لا معنى لدار الكون والفساد الا ذلك وكلّ ما في الإنسان من الصّفات الحسنة أو القبيحة الذميمة ستبدو وتظهر في الدنيا أو في الآخرة.