السنة الشريفة عليه ، الا أن يدل دليل على الحرمة.
قوله تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ).
السأم : الملالة ، قال تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) [فصلت ـ ٤٩] ، والآية تؤكد على التثبت في الديون وحقوق الناس ، وعدم التهاون فيها فإنّها مظنة النزاع والضياع.
والمعنى : ولا تملّوا عن كتابة الدّين صغيرا كان أو كبيرا ذاكرين أجله وشؤونه. وإنّما قدم الصغير للاهتمام به أي : لا تكون القلة مانعة عن الكتابة.
قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا).
بيان للحكمة في الأحكام المتقدمة وقد ذكر سبحانه ثلاثة منها ، ومادة قسط تأتي بمعنى العدل ، وقد وردت هذه المادة في القرآن كثيرا ، قال تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران ـ ١٨] ، وقال تعالى : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات ـ ٩] ، ويأتي القسط بمعنى الجور أيضا ، قال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن ـ ١٥] ، فهو من الأضداد. ولو جعلنا القسط بمعنى مطلق الميل لم يكن من الأضداد ، ولا من المشترك اللفظي ، وحينئذ فإن كان إلى الحق فهو العدل والإنصاف ، وإن كان إلى الباطل فهو الجور والاعتساف.
والمعنى : أنّ ما تقدم من الأحكام في الكتابة والإشهاد وغيرهما أعدل طريق للتقوى وهو المحبوب عند الله تعالى ، وأحفظ للشهادة وأعون على إقامتها على وجهها الصحيح ، وأقرب إلى نفي الشك والريب فإنّها تدفع ارتياب بعضكم من بعض. وهذه الأمور مطلوبة للناس مرغوب فيها.
ويستفاد من هذه الآية الشريفة : أنّ جميع تلك الأحكام إنّما تكون لأجل هذه الغايات الحميدة ، فتكون الأوامر والنواهي فيها للإرشاد لا للوجوب والإلزام.