قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
بيان لعلة الحكم السابق أي : وليكن عملكم وتقواكم عن توجه بأنّ الله عليم بكلّ شيء لا تخفى عليه أعمالكم ويجازيكم على ذلك فإنّ من علم بأنّ الله كذلك وجب عليه بحكم العقل أن يتقيه ويعمل بما أنزله ، فيوافق بين ظاهره وباطنه ولا يخالف بينهما.
وهذه الآية الشريفة من الآيات التي تدل على لزوم مراقبة الله تعالى في العمل وحسن النية والإخلاص له ، وتطابق الظاهر مع الباطن.
وهذه الآية تفيد معنى زائدا على نفس العلم وهو أنّه تعالى حاضر مراقب وكذا جميع الآيات المباركة التي وقعت هذه الجملة فيها بعد الأمر بالتقوى ، مع أنّ الرقيب من أسمائه الحسنى وهو يرجع إلى ما هو عين الذات لأنّه من شؤون علمه عزوجل بل لنا أن نقول إنّ مبدأ الخلق ومبدأ التشريع الذي هو المحاسب والمجازي لا بد أن يكون رقيبا بكلّ معنى الكلمة بعد فرض حضوره لدى الأشياء وحضورها عنده تعالى والا لزم الخلف وهو باطل.
فالأسماء الحسنى المتفرعة عن علمه الأتمّ الأكمل واللازمة للذات باللزوم العقلي كثيرة تجمعها لفظ «الله» الذي هو اسم للذات الجامع لجميع الكمالات الواقعية والإدراكية المنفي عنه جميع النقائص الواقعية والإدراكية.
فتكون جميع الأسماء المباركة منطوية في هذا اللفظ الجليل المبارك انطواء الفرد في الكلّ. فالوحدة حاصلة في هذا المقام وفي الواقع بالعين والحقيقة ولا أقول بوحدة الصنف والنوع ، ولا بوحدة الشعاع والشمس ، ولا بوحدة القطرة والبحر ، لجلالة ذلك المقام الأقدس عن كلّ ذلك. وإن كان التشبيه يقرب من جهة ويبعد من جهات بل الوحدة الحقة الحقيقية التي هي إسقاط جميع الإضافات وانقهارها في القهارية المطلقة التي لا حد لها من كل جهة ، ويشير إلى ذلك ما نسب إلى عليّ بن الحسين (عليهماالسلام) في دعائه : «إلهي كيف تخفى وأنت الظاهر أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر» وسيأتي شرح ذلك في المستقبل إن شاء الله تعالى.