والمعنى : إنّ الله لا يكلف عباده بما لا يطيقون ولا يحملهم على ما لا يقدرون فللإنسان جزاء ما يكسبه من الخير حسب وسعه وطاقته وعليها وزر ما اكتسبت نفسه من الشر يوفي جزاء كلّ منهما ولا يظلمهم فيه.
وإنّما نسب الاكتساب إلى النفس توبيخا واحتجاجا عليه فإنّه قد تحمّل في الشر من المشقة والتكلف وهو يدل على أنّ في النفس عند الشر صراع بين العقل والشرع من ناحية والنفس الأمارة من جهة أخرى فقد تحمل المشقة وإن كانت النفس إليه أحب وأعمل لأنّه من مشتهياتها بخلاف الخير فإنّها مجبولة عليه ولا يحتاج إلى المشقة والاعتدال.
والآية الشريفة تدل على اختيار الإنسان في أفعاله والرد على من يقول بالجبر ، وما ورد فيها من القضايا العقلية التي تحكم بها الفطرة السليمة قرّرها الرب الرؤوف على لسان نبيه العظيم بدلا عن لسان الأمة فسأل ربه فأرشدهم الله تعالى إلى ما يحفظهم ويقيهم وما هو الأصلح لهم.
قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا).
مادة (نسي) تأتي بمعنى الترك والتأخير والإهمال ، وهي كثيرة الاستعمال في القرآن الكريم والسنة الشريفة ، ولعل أعظمها على القلوب قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر ـ ١٩] ، وقوله تعالى : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [الجاثية ـ ٣٤].
والنسيان في أمثال هذه الموارد بمعنى الترك. وفي الحديث : «صلة الرحم مثراة للمال ومنسأة للأجل» وهي بمعنى التأخير.
والسهو والنسيان والخطأ والغفلة لها جامع قريب وهو سقوط الالتفات والتوجه التفصيلي في النفس عن المعنى فعلا. والاختلاف إنّما هو بلحاظ أصل المعنى في الذاكرة أو الحافظة أو أصل المخ على تفصيل مذكور في محله.
وطلب نفي المؤاخذة على النسيان والخطأ باعتبار ما جبل الإنسان عليه من الضعف والفتور وهما قد يقعان بسبب التساهل والتقصير في التحفظ على