قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ).
الكلام في هذه الآية الشريفة كالكلام في سابقتها ، فإنّ التكليف بما لا يطاق قبيح عقلا وهو محال على الله تعالى ، بل المراد نفي وإبعاد ما يوجب الوقوع في المشقة والتعب الشديد ، كالابتلاء والامتحان وجزاء الأعمال السيئة في الدنيا والآخرة. أي : لا توقعنا فيما يوجب هذه الأمور بسوء اختيارنا.
وفي تكرار لفظ الرب في هذه الموارد رجاء بعث صفة الرحمة من الرب ، وإظهار العبودية في المربوب ، وقد ذكرنا في سورة الفاتحة أنّ في هذا الاسم الشريف خصوصية لم تكن في غيره عند الدعاء ، ولذا كان الأنبياء والصالحون يذكرونه في حالاتهم الانقطاعية مع الله تعالى.
قوله تعالى : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا).
العفو : إذهاب أثر الشيء ، والمراد به محو آثار المعاصي والذنوب.
والمغفرة : الستر ، أي الصفح عن الذنوب وإسقاط حق العقوبة والعذاب. والرحمة تشمل الجميع.
ويستفاد من هذه الآية الشريفة أدب الدعاء ، فإنّ الذنوب والآثام تجلب آثارا خاصة ، وتوجب العقوبة والعذاب ، فطلبوا محو الآثار أولا وإسقاط حق العقوبة ثانيا ، والرحمة في جميع الأحوال من التوفيق والسداد.
ويختلف طلب المغفرة في هذه الآية عنه في صدرها ، فإنّ في هذه إنّما يكون عن الذنوب والنقص الحاصل من جهة الخطاء والنسيان وارتكاب ما يوجب الوقوع في المشقة والإصر. وأما الغفران في قوله تعالى : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) إنّما هو مطلق يشمل جميع الحالات والأمور.
ويحتمل أن تكون هذه الجملات الثلاث مقابلة لتلك الدعوات ، فالعفو يكون عما يصدر من الإنسان نسيانا أو خطأ ، لكثرة وقوع المكلّف في المخالفة بسبب التقصير في التكليف ومقدماته. والغفران للذنوب والصفح عن العقوبة بالنسبة إلى ما يوجب الإصر ، والرحمة بالنسبة إلى ما لا طاقة لنا به.