والله تعالى أصلح هذا الأمر الفطري بما هو صلاح لكم فإنّ الشرايع الإلهية تراعي الميول الفطرية ولا تحطمها وإنّما تضبطها وتهذبها حتى تستقيم معها الحياة السعيدة الصالحة للبشرية ، فرخص لكم التعريض بهنّ وإخفاء الرغبة في نكاحهنّ دون ذكرهنّ باللسان حفظا للآداب وصونا لجرح المشاعر لأنّ الدين دين الفطرة.
قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا).
السر معروف وهو مقابل الإعلان أو الجهر قال تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [النحل ـ ٢٣] ، وإنّه من صفات ذات الإضافة وله مراتب كثيرة حتّى إنّه يمكن أن يكون شيء واحد سرّا من جهة وجهرا من جهة أخرى.
وهو عام يشمل الجماع والزواج ، وقيل : إنّ المراد به الجماع واستشهد بقول امرئ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني |
|
كبرت وأن لا يشهد السر أمثالي |
وقول الأعشى :
ولا تقربن جارة إنّ سرها |
|
عليك حرام فانكحن أو تأبدا |
ولكن تقدم مرارا أنّ غالب هذه الإطلاقات ، بل جميعها من باب اشتباه المصداق بالمفهوم وليس من متكثر المعنى في شيء.
والمعنى : لا تواعدوهنّ على الزواج أو الرّفث وما يرجع إليهما وعدا صريحا في السّر ، فإنّ ذلك خلاف الحشمة ، ومظنة للفتنة بخلاف التعريض بالخطبة فإنّه لا بأس به.
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً).
أي : إلّا أن يكون ما وعدتموهنّ في السّر موافقا للمعروف والحياء والحشمة والأدب بحيث لو كان ذلك في العلن لما كان فيه عيب ولا يستحيى منه.