يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال (هي أفضل الحسنات) أي : فالحسنات مثل الصلاة والذكر والصدقة والاستغفار ، ونحو ذلك من أعمال البرّ.
لطيفة :
أشار القاشاني عليه الرحمة إلى سر الصلوات الخمس في أوقاتها بما يجدر الوقوف عليه ، فقال :
لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما يرد عليه في الهيئات الجسمانية ، وتجذبه عن الحضرة الرحمانية ، وتحجبه عن النور والحضور ، بالإعراض عن جانب القدس ، والتوجه إلى معدن الرجس ، وتبدله الوحشة بالأنس ، والكدورة بالصفاء ـ فرضت خمس صلوات ، يتفرغ فيها العبد للحضور ، ويسد أبواب الحواس ، لئلا يرد على القلب شاغل يشغله ، ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية ، لوصول مدد النور ، ويجمع همه عن التفرق ويستأنس بربه عن التوحش ، مع اتحاد الوجهة ، وحصول الجمعية ، فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب ، على جناب الرب ، يدخل عليه بها النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جانب الغرور ، ودارا للعين الغرور ، التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد أثار ظلماتها ، ويكسح غبار كدوراتها. وهذا معنى قوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) :
وقد ورد في الحديث (١)(إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر)
وأمر بإقامتها طرفي النهار ، لينسحب حكمها ببقاء الجمعية ، واستيلاء الهيئة النورية ، في أوله إلى سائر الأوقات ، فعسى أن يكون من الذين هم على صلاتهم دائمون ، لدوام ذلك الحضور وبقاء ذلك النور ، ويكسح ويزيل في آخرة ما حصل في سائر الأوقات من التفرقة والكدورة. ولما كانت القوى الطبيعية المدبرة لأمر الغذاء ، سلطانها في الليل ، وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم عن عالمها الروحاني ، وتحجزها عن شأنها الخاص بها ، الذي هو مطالعة عالم القدس بشغلها باستعمال آلات الغذاء ، لعمارة الجسد ، فتسلبها اللطافة ، وتكدرها بالغشاوة ـ احتيج إلى تلطيفها وتصفيتها باليقظة ، وتنويرها بالصلاة ، فقال : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) انتهى. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١١٥)
(وَاصْبِرْ) أي على مشاق ما أمرت به من التبليغ ، أو على ما يقولون ، أو على
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الطهارة ، حديث رقم ١٦. عن أبي هريرة.