بحث في الرؤيا :
قال الإمام الراغب الأصفهاني في كتابه (الذريعة) في بحث (الفراسة) ما مثاله :
ومن الفراسة علم الرؤيا. وقد عظّم الله تعالى أمرها في جميع الكتب المنزلة ، وقال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] ، وقال : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ ...) [الأنفال : ٤٣] الآية ، وقال في قصة إبراهيم : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات : ١٠٢] ، وقوله : (يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف : ٤].
والرؤيا هي فعل النفس الناطقة ، ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة. والله تعالى يتعالى عن الباطل. وهي ضربان : ضرب وهو الأكثر. أضغاث أحلام وأحاديث النفس بالخواطر الردية ، لكن النفس في تلك الحال كالماء المتموّج. لا يقبل صورة.
وضرب وهو الأقل ، صحيح ، وذلك قسمان : قسم لا يحتاج إلى تأويل ، ولذلك يحتاج المعبر إلى مهارة يفرق بين الأضغاث وبين غيرها ، وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ، ويفرق بين طبقات الناس ، إذ كان فيهم من لا تصحّ له رؤيا ، وفيهم من تصحّ رؤياه. ثم من صحّ له ذلك ، منهم من يرشّح أن تلقى إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ، ومنهم من لا يرشح له ذلك. ولهذا قال اليونانيون. يجب أن يشتغل المعبر بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون الطغام ، وذلك لأن له حظا من النبوّة. وقد قال عليه الصلاة والسلام (١) : (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوّة) وهذا العلم يحتاج إلى مناسبة بين متحرّيه وبينه ، فرب حكيم لا يرزق حذقا فيه ورب نزر الحظ من الحكمة وسائر العلوم توجد له فيه قوّة عجيبة. انتهى ـ.
وقال الأستاذ ابن خلدون : حقيقة الرؤيا مطالعة النفس الناطقة ، في ذاتها الروحانية ، لمحة من صور الواقعات. فإنها عند ما تكون روحانية تكون صور الواقعات فيها موجودة بالفعل ، كما هو شأن الذوات الروحانية كلها ، وتصير روحانية بأن تتجرد عن المواد الجسمانية ، والمدارك البدنية. وقد يقع لها ذلك لمحة بسبب النوم ، كما
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التعبير ، ٢ ـ باب رؤيا الصالحين ، حديث ٢٥٣٦ ونصه : عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح ...».