هذا المعنى عن المشركين في سورة الأنعام والنحل والزخرف كما قال تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الزخرف : ٢٠] ، فتبين أنه لا علم لهم بذلك ، إن هم إلا يخرصون ، وقال في سورة الأنعام : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) [الأنعام : ١٤٩] ، إرسال الرسل وإنزال الكتب كما قال تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥] ، ثم أثبت القدر بقوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) فأثبت الحجة الشرعية وبين المشيئة القدرية. وكلاهما حق وقال في النحل : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٣٥] فبيّن سبحانه وتعالى ـ أن هذا الكلام تكذيب للرسل فيما جاءوهم به. ليس حجة لهم. فلو كان حجة لاحتج به على تكذيب كل صدق وفعل كل ظلم. ففي فطرة بني آدم أنه ليس حجة صحيحة. بل من احتج به احتج لعدم العلم واتباع الظن. كفعل الذين كذبوا الرسل بهذه المدافعة. بل الحجة البالغة لله بإرسال الرسل وإنزال الكتب. كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا أحد أحب إليه العذر في الله. من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين. ولا أحد أحب إليه المدح من الله. من أجل ذلك مدح نفسه. ولا أحد أغير من الله. من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» (١). فبين أنه سبحانه يحب المدح وأن يعذر ويبغض الفواحش ، فيحبّ أن يمدح بالعدل والإحسان. وألّا يوصف بالظلم. ومن المعلوم أنه من قدم إلى أتباعه بأن افعلوا كذا ولا تفعلوا. وبيّن لهم وأزاح علتهم ، ثم تعدّوا حدوده وأفسدوا أمورهم ، كان له أن يعذبهم وينتقم منهم. فإذا قالوا : أليس الله قدّر علينا هذا؟ لو شاء الله ما فعلنا هذا. قيل لهم : أنتم لا حجة لكم ولا عندكم ما تعتذرون به ، يبيّن أن ما فعلتموه كان حسنا ، أو كنتم معذورين فيه. فهذا الكلام غير مقبول منكم. وقد قامت الحجة عليكم بما تقدم من البيان والإعذار. ولو أن وليّ أمر أعطى قوما مالا ليوصلوه إلى بلد ، فسافروا به وتركوه في البرية ليس عنده أحد وباتوا في مكان بعيد منه ، وكان وليّ الأمر قد أرسل جندا يغزون بعض الأعداء فاجتازوا تلك الطريق ، فرأوا
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التوحيد ، ٢٠ ـ باب قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : لا شخص أغير من الله ، حديث رقم ٢٥١٨ ، عن المغيرة. وأخرجه مسلم في : اللعان ، حديث رقم ١٧.