إذن فقد تلخص من هذا بأن العوارض التي تعرض بواسطة أمر أخص كأنها على نحوين :
أ ـ إن كان العرض مع الواسطة مجعولين بجعل واحد ، إذن فالعرض ذاتي بالنسبة إلى الموضوع.
ب ـ إن كان العرض مع الواسطة مجعولين بجعلين ، إذن فالعرض غريب عن الموضوع.
إذن فقد جعلوا الميزان في الذاتية والغرابة في العرض الذي يعرض بواسطة أمر أخص ، كون الواسطة مع العرض مجعولين بجعل واحد أو بجعلين.
وهذا الكلام اتضح مما ذكرنا عدم صحته ، وذلك لأنّ كون الواسطة مع العرض مجعولين بجعل واحد على نحو جعل الجوهرية والجسمية هذا إنما يصحح كون العرض أوّليا ، وهذا ميزان العرض الأوّلي الذي يعرض أولا وبالذات.
أما العرض الذاتي فهو أوسع من ذلك فقد أوضحنا أن العرض الذاتي قد يكون معلولا لعرض ذاتي بحيث ينتهي إلى الموضوع ، فلا يلزم أن يكون العرض الذاتي مجعولا مع الواسطة بجعل واحد ، بل يمكن أن يكون العرض مجعولا بجعل آخر ، وواسطته مجعولة بجعل آخر ، ومع هذا يكون ذاتيا بالنسبة إليه ، لأنّ مرادنا من الذاتية هي الذاتية بلحاظ المنشئية ، إمّا بلا واسطة أو مع الواسطة. فكأن هذا الكلام الذي صدر من هؤلاء المحققين خلط بين العرض الأولي والعرض الذاتي ، فهناك اصطلاحان : اصطلاح العرض الذاتي ، واصطلاح العرض الأولي.
فالعرض الأولي لعلّه يصح في هذا الميزان ، وهو : إنّ العرض إذا كان بواسطة فلا يكون أوليا إلّا إذا كانت الواسطة مجعولة بنفس جعله ، بحيث يطرءان معا على الموضوع.
وأمّا العرض الذاتي فهو أوسع من ذلك فإنّ العرض الذي يعرض بتوسط عرض ذاتي يكون أيضا ذاتيا ، ويكون اليقين الحاصل فيه يقينا برهانيا. فالميزان