هذا ما أفاده السيد الأستاذ ـ دام ظله ـ في إعطاء المائز الحقيقي بين مسائل علم الأصول والمسائل الأخرى ، ثم أورد على نفسه بعض الاعتراضات ، وأجاب عليها ، نقتصر في المقام على ذكر اثنين منها :
الاعتراض الأول (١) :
أ ـ هو أنه بناء على هذا التفسير يلزم أن لا تكون مسألة دلالة الأمر على الوجوب ، وما يناظرها من مباحث الدلالات ، داخلة في مباحث علم الأصول ، لأنها بحاجة دائما إلى ضمّ كبرى حجية الظهور إليها ، لكي ينتهي بها إلى استنباط الحكم ، إذ لا يمكن الاكتفاء بها وحدها في ذلك.
وأجاب عن ذلك :
بأن الأمر وإن كان كذلك ، غير أن مسألة حجية الظهور ليست من مسائل علم الأصول ، ولا يبحث فيها عن كبراها أصلا ، بل هي قاعدة عقلائية واضحة مركوزة بالبداهة لدى كل شخص ، فليست مسألة دلالة الأمر على الوجوب مثلا ، محتاجة إلى مسألة أصولية كي يكون نقضا على ما ذكرناه لتميّز علم الأصول.
الاعتراض الثاني :
ب ـ وأورد ثانيا على نفسه النقض بمسألة اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده ، فإنها مسألة أصولية رغم افتقارها إلى مسألة أصولية أخرى وهي مسألة أن النهي عن العبادة يقتضي الفساد كي يتم الاستنباط ، ولا تكفي بمفردها لذلك.
وأجاب عن ذلك :
إنّ هذه المسألة وإن كانت بحاجة إلى مسألة أصولية أخرى في إنتاج الحكم ببطلان عبادة الضد ، ولكن على القول بعدم الاقتضاء لا تحتاج إلى ضم مسألة أصولية أخرى ، بل تكفي نفس هذه المسألة وهي أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده ، كي تنتج بمفردها الحكم بصحة عبادة الضد.
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه : ج ١ ص ٩. فياض