فإن قيل بالأول : لزم منه خروج أكثر مسائل الأصول عن علم الأصول ، لأنها في أكثر الأحيان يحتاج بعضها إلى بعض في مجال الاستنباط.
فمثلا : لو كانت ثمة رواية ظنية السند وظنية الدلالة على وجوب الجمعة ، فحينئذ تكون مسألة دلالية الأمر على الوجوب التي هي من مسائل علم الأصول محتاجة في مثل هذا المورد إلى مسألة حجية خبر الثقة ـ التي هي أيضا من مسائل علم الأصول ـ كي تتم عملية الاستنباط ، فينبغي أن لا تكون مسألة أصولية ، وكذلك مسألة حجية الخبر حيث احتاجت إلى مسألة دلالية الأمر على الوجوب فلا تكون أصولية أيضا.
وإن قيل بالثاني ، على أن يكون المقصود ، صلاحية المسألة لكي تقع بمفردها في الاستنباط ولو في مورد واحد تكون فيه سائر نواحي البحث والاستنباط قطعية ، كما إذا كانت سنة قطعية ، فتكون مسألة ظهور الأمر في الوجوب كافية بمفردها لاستنباط الحكم ، فهذا جوابه :
إنّ كثيرا من المسائل غير الأصولية أيضا تصلح أن تقع بمفردها ومن دون حاجة إلى مسألة أصولية في طريق الاستنباط في بعض الموارد ، وذلك حيث تكون سائر الجهات قطعية ، فكلمة (الصعيد) لو افترضنا ورودها في لسان دليل قطعي سندا ودلالة كما لو كان كتابا ، أو كما لو صرّح بالوجوب حينئذ يكفي تشخيص مدلولها ولكي تقوم بعملية الاستنباط بمفردها. وعليه فلا بد من أن تكون مسألة أصولية حسب هذا المائز.
التعليقة الثانية :
إنّ هناك بعض المباحث التي هي من مسائل هذا العلم ، على رغم أنها تحتاج إلى مسألة أصولية أخرى ، كي تنتج الحكم الشرعي ، من قبيل المباحث التي يراد بها تشخيص أقوى الظهورين ، أو كالبحث عن الإطلاق الحكمي أو العموم الشمولي أو العموم البدلي ، أو كالبحث عن الدلالة المنطوقية أو الدلالة المفهومية ، وما إلى ذلك من أشباهها ، فإنها كلها لا تكون منتجة في مجال الاستنباط ، إلّا بعد ضم كبرى الجمع العرفي ، وتقديم الأظهر على الظاهر في