بسم الله الرّحمن الرّحيم
نفثة مصدور
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وشفيعنا محمد وآله الهداة الطاهرين.
أما بعد : فإن ثلّة من الرجال لا يعيشون بين أممهم كأفراد ، وإنما يعيشون ويموتون وهم يشكلون قضية ، تلوّن مسيرة أممهم ، بل تطبع سلوك هذه الأمم في الفكر ، والعمل ، والتوجهات.
إن اختراق هذا النموذج من الرجال ، لحواجز وقوانين (الفردية) ، لا يتأتى إلّا بعد توفر مواصفات وشروط صعبة ، يندر أن تتوفر إلّا للأبدال من الناس ، بل حتى هذه الشروط التي تسبب اختراق قوانين الفردية ، تختلف وتتفاوت فيما بين مفردات هذه الثلة من الأبدال ولذا :
فمنهم : من يبرز في أمته كبطل وطني يفجر قضية الصراع بين أمته وأعدائها من غزاة خارجيين ، أو طغاة محليين ، وبهذا يرسم لشعبه طريق الخلاص.
ومنهم : من يبرز في أمته كمفكر وطني ، عند ما برسم لأمته أطروحة خلاصها من أعدائها ، عبر صيغ فكرية تحدد مواقف الأمة ، وتثرى مسيرتها ، وتشحذ عزيمتها ، وتوفر لها بالتالي أسباب التحرر والانعتاق.
شهد التاريخ مثل هذين النموذجين في أكثر أطواره ومراحله ، ولكن قلّ وندر أن شهد التاريخ نموذجا من الرجال ، يقدم لأمته أطروحة تحررها ، ووثيقة