موضوعا ، وبعضهم ذهب إلى أن البرهان قائم على العدم ، إذ ليس لبعض العلوم موضوع كلي لأنّ بعض مسائلها من قبيل الوجود والعدم ، ولا جامع بينهما.
المقالة الأولى : والكلام يقع في أنه لا برهان على أن لكل علم موضوعا :
وتوضيح ذلك : أن هذا المدّعى وهو (إنّ لكل علم موضوعا) يستدلّ له عادة في كلماتهم بأحد دليلين :
الدليل الأول على تعدد الموضوعات بتعدد العلوم :
تطبيق قاعدة (إنّ الواحد لا يصدر إلّا من واحد) بتوضيح أن لكل علم من العلوم غرضا يختص به ، وهذا الغرض واحد كلي إن لم يكن واحدا شخصيا ، وكما أن الواحد بالشخص لا يصدر إلّا من واحد بالشخص ، كذلك الواحد الكلي كالواحد النوعي مثلا ، لا يصدر إلّا من واحد نوعي.
فبعد البناء على أن لكل علم غرضا واحدا كليا ، وبعد البناء على أنّ قاعدة أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد ، ليست مختصة بالواحد الشخصي فقط ، بل تشمل الواحد النوعي أيضا ، فقد استنتج من ذلك : إنّ فرض وجود غرض واحد كلي للعلم ، يكشف لا محالة عن وجود جامع كلي لمسائل موضوعات ذلك العلم ، إذ لو كانت متفارقة ، ولا يوجد جامع بينها أصلا ، إذن للزم صدور الواحد الكلي من كثرات متعددة ، وهذا خلف القاعدة.
وتحقيق الكلام في هذا الاستدلال هو أن أغراض العلوم تتصور في مرتبتين :
المرتبة الأولى : مرتبة التدوين والدرس ، والتعلم والتعليم. فإنّ من يدوّن علما ، أو يدرس علما ، لا بد أن يكون له غرض من تدوينه لذلك العلم ، أو درسه له ، ولا ينبغي أن يكون نظر ذلك البرهان الذي ذكرناه إلى هذا الغرض في هذه المرتبة ، لأنّ الغرض في هذه المرتبة يختلف من حالة إلى أخرى ، ومن شخص إلى شخص آخر ، أي إنه يتعلق عند إنسان غرض بدراسة المسألة الأولى من العلم فقط ، وعند آخر غرض بدراسة نصف العلم ، وقد يتعلق عند ثالث غرض