لكن هذا الغرض الواحد الكلي ، بحسب الحقيقة ، مستند إلى القواعد النحوية ، لا باعتبار جامع ذاتي بينها ، بل باعتبار جهة عرضية ، ووصف عرضي مشترك بينها ، وهو كونها عقلائية ومقبولة عند العقلاء ، وكونها كذلك هو الذي جعلني أقول مثلا : (ضرب زيد) تارة (وضربت زيدا) تارة أخرى ، فالعلة في أن أعرف النحو ، وأقول : (ضرب زيد) تارة (وضربت زيدا) أخرى ، وإن كانت هي القواعد النحوية ، وهذا يكشف عن جهة اشتراك ، إلّا أن هذه الجهة المشتركة لا يلزم أن تكون جامعا ذاتيا حتى نحصل على جامع بين موضوعات القضايا ، بل يكفي أن تكون جهة عرضية قائمة بهذه القضايا ولو تباينت موضوعاتها ومحمولاتها ، كما رأينا من كون الجهة المشتركة في كونها عقلائية ومقبولة عند العقلاء.
ومن هنا نرى عدم صلاحية هذا التقريب في تقريب : (إنّ الواحد لا يصدر إلّا من واحد).
التقريب الثاني : وهو أن الغرض من القواعد النفس الأمرية ، ليس هو وجود الصيانة خارجا ، وإنما أن يصحّ الكلام في نفسه سواء نطق به إنسان ، أو لم ينطق به إنسان ، وهذا الغرض حتما يترتب على القواعد النحوية ، لأنه بمجرد أن يتفق العرب على أن الفاعل مرفوع ، حينئذ هذه القاعدة تؤدي مباشرة إلى تصحيح قولنا (ضرب زيد) سواء نطق بها أم لا.
ولكن مع هذا لا ينفع هذا التقريب في تطبيق البرهان المذكور على قاعدة : (إن الواحد لا يصدر إلّا من واحد) ، وذلك لأنّ الغرض من القاعدة هو جعل الكلام مطابقا لها ، والمطابقة ما هي إلّا نسبة قائمة بين القاعدة والكلام الخارجي. ولا يعقل أن تكون النسبة جامعا بين القواعد النحوية ، وبين الكلمات الخارجية ، إذن لدينا أغراض متعددة ، لأن هذه النسب عديدة بعدد القواعد ، وكذلك لا يتحقق الجامع بين النسب إلّا إذا تحقق الجامع بين أطرافها ، لأنّ الجامع ما بينها واحد. وهذا البرهان إنما يتحقق في غرض مستقل موجود في الخارج ، لا في أمر نسبي يكون تعدده ووحدته تابعا لوحدة طرفه وتعدده.