ولكن الدليل الثاني أيضا غير صحيح ، وذلك لأنه لا يمكن أن نستدلّ على وجود الموضوع لكل علم من دعوى أنّ تمايز العلوم بموضوعاتها ، فإنّ كون العلوم تتميز بموضوعاتها يتوقف على أن نثبت بأنّ لكل علم موضوعا (١).
فإذا كانت تلك القضية مشكوكة لنا ، إذن فكيف نستطيع أن نبرهن على أنّ لكل علم موضوعا ، بلحاظ أنّ تمايز العلوم بالموضوعات.
نعم لو ثبت أنّ تمايز العلوم بموضوعاتها بدليل تعبدي أو شبه تعبدي ، كآية أو رواية ، حينئذ نستكشف بطريق ال (إن) أنه لا بد وأن يكون لكل علم موضوع.
وأمّا بقطع النظر عن الدليل التعبدي ، أو شبه التعبدي ، لا يمكننا أن نجعل هذا برهانا على وجود الموضوع لكل علم.
المقالة الثانية : وهي أن البرهان قائم على عدم وجود موضوع لكل علم : وقد قرر ذلك من قبل السيد الخوئي بتقريبين (٢) :
التقريب الأول : وهو أننا إذا لاحظنا علم الفقه ، سوف نجد أن محمولاته عبارة عن الأحكام الشرعية مثل ـ الصلاة واجبة ، الخمر حرام ، الدم نجس ، وهكذا. وهذه أمور اعتبارية وليست أمورا حقيقية.
وعليه : لو فرض أننا أردنا أن نتصور جامعا حقيقيا قوليا بين مسائل هذا العلم ، بحيث يجمع هذا الجامع بموضوعه بين موضوعات مسائل هذا العلم ، وبمحموله بين محمولات مسائله ، لتعذر علينا ذلك ، لأنّ القضية الكلية الجامعة غير متصورة في علم الفقه بسبب محمولات مسائله التي هي أمور اعتبارية ، ولا بد أن يكون جامع الأمور الاعتبارية أمرا اعتباريا ، وهو غير متحقق في هذه القضية.
ولكن هذا التقريب غير صحيح ، وذلك لأنه حتى مع غرض أن الأحكام
__________________
(١) ووجه البطلان للزوم الدور ، أو لزوم حمل الشيء على نفسه ، لأنه أخذ عقد الحمل في عقد الموضوع. (المؤلف).
(٢) أجود التقريرات : ص ٣ ـ الخوئي.