في الفلسفة العالية أيضا ، والتي سلّم السيد الأستاذ (١) ، والسادة العلماء بأن لها موضوعا واحدا كليا وهو (الموجود) ، وذلك لأن الموجود في كثير من مسائل الفلسفة العالية يقع محمولا في المسألة حسب ما دوّنت ، لا موضوعا مثل : الجوهر موجود ، العرض موجود ، العقل موجود ، ومع هذا لم يستشكل الفلاسفة ، وحتى علماء الأصول ، في أنّ للفلسفة موضوعا كليا وهو (الموجود).
ومعنى هذا إنه : حينما نريد أن نتصور موضوع الكلي للعلم ، لا يلزم أن نتصوره بنحو يكون منطبقا على موضوعات مسائله ، حسب ما دوّنت خارجا ، بل يكون منطبقا حسب ترتيب من الترتيبات لهذه المسائل سواء أكان مطابقا لما دوّن ، أو لم يكن مطابقا لما دوّن.
وبهذا يتم كون موضوع الفلسفة هو (الموجود) سواء أكان الموجود جوهرا ، أو عرضا ، وهكذا يكون الجوهر ، والعرض ، والعقل ، محمولات للموجود الذي هو موضوع الفلسفة العالية ، ولكن العلائق النحوية واللغوية ، أو ضرورات اللغة والنحو ، أو أي تأثير آخر غير مرتبط بحقائق الأشياء ، يضطرنا إلى أن ندوّن مسائل الفلسفة ، أو أي علم كما وقع خارجا.
ومن هنا يتضح أنه عند ما نريد أن نحقق موضوعا لأي علم ، ينبغي أن نحققه بحسب الأمر الواقع لا بحسب ما دوّن خارجا ، وهذا الكلام يجري أيضا في تحقيق موضوع علم الفقه ، لأنّ الجامع هنا كسا في الفلسفة العالية ، يبرز من خلال محمولات علم الفقه. والإشكال الذي وقع كان بسبب ملاحظة مسائله حسب ما دوّنت.
وهنا بدل أن نقول إنّ موضوع علم الفقه هو فعل المكلف كما يقال ، فنقع في القيل والقال ، لأنّ بعض مسائله ليست من فعل المكلف ، بل من الأعيان الخارجية كالدم نجس ، والخمر نجس ، وهكذا ، نقول : بأنّ موضوع علم الفقه هو الحكم الشرعي ، ونسبة الحكم الشرعي إلى علم الفقه كنسبة الموجود إلى
__________________
(١) أجود التقريرات : ص ٧ هامش ١.