المحلية الحقيقية غير ثابتة ، لأنّ مجاورة النار لا معنى لاتصافها بالمحلية وعروض الحرارة لها. إذن فقد صدقت المنشئية الحقيقية ، ولم تصدق المحلية.
إذن فما هو ذاتي المنشئية ، وما هو ذاتي المحلية بينهما عموم من وجه ، قد يجتمعان وقد يفترقان. فإذن عندنا مطلبان متغايران المحلية الحقيقية والمنشئية الحقيقية.
وكلام المحقق العراقي كان مبنيا على أن الميزان في الذاتية هو المحلية الحقيقية بلحاظ مرتبة التحليل فقط. وإلّا يلزم أن يكون عوارض النوع غريبة عن الجنس ، ولا بلحاظ عالم الوجود وإلّا يلزم أن تكون الأقسام الستة كلها عوارض حقيقية ، بل بحسب الحقيقة إنّ الميزان في الذاتية هو الذاتية بحسب المنشئية. فالعرض الذاتي عبارة عن العرض الذي يكون موضوع المسألة منشأ له ، ومستتبعا له ، إما بلا واسطة ، أو مع الوسائط. وإذا فسّرنا العرض الذاتيّ بهذا التفسير نعرف نكتة ما قرره الحكماء من كون العارض الذي يعرض بلا واسطة. أو بواسطة أمر مساوي سواء أكان داخليا ، أو خارجيا ، عرضا ذاتيا ، واعترفوا بأن هذه الثلاثة أعراض ذاتية كما صرّح المحقق الطوسي في (شرح الإشارات) ، بأن العرض الذي يعرض للموضوع بلا واسطة ، أو بواسطة أمر مساوي ، داخلي أو خارجي ، هو عرض ذاتي ، وأما العرض الذي يعرض للموضوع بواسطة أمر أعم ، أو أمر أخص ، أو مباين ، فهذا ليس عرضا ذاتيا (١).
هذه الدعاوى تتبين نكتتها بناء على التفسير الذي ذكرناه للعرض الذاتي. والآن نأخذ هذه الدعاوى واحدة واحدة ونفسرها :
الدعوى الأولى : وهي إنّ العرض الذي يعرض للموضوع بلا واسطة ، فهو عرض ذاتي. وهذا واضح لانطباقه على التفسير باعتبار أن فرض كونه بلا واسطة هو فرض كون الموضوع منشأ وحده ، وكافيا في وجود المحمول ، إذن فالمنشئية
__________________
(١) لأنه من الواضح أن معنى كونه يعرض بواسطة الأخص أو المباين ، يعني أن الموضوع وحده لا يكفي لعروضه ما لم ينضم الأخص أو المباين ، فمنشئية الموضوع للعرض ليست منشئية ذاتية فلا يكون عرضا ذاتيا. (المؤلف).