علة لعرض آخر من الأعراض ، فهذا العرض الثاني عارض على الموضوع الأصلي بواسطة أمر مساوي وهو العرض الأول ، والعرض الأول هنا مباين وجودا مع الموضوع ، لأن الموضوع بنفسه يستتبع العرض الأول بلا واسطة ، ويستتبع العرض الثاني بواسطة العرض الأول ، ولهذا صرّح المحقق الطوسي في (شرح الإشارات) في مقام التمثيل للعرض الذي يعرض للموضوع بواسطة أمر مساوي قال كالعرض الذي يعرض للموضوع بواسطة فصله ، أو بواسطة عرض آخر ذاتي له ، مع أن العرض الآخر هذا مغاير له وجودا.
إذن ليس المقصود من الأعم والمساوي والأخص ما يصدق عليه ويكون أخص أو أوسع منه صدقا ، أو مساويا له في الصدق ، بل المقصود الأعمية والأخصية والمساواة ، بحسب المورد سواء انطبق عليه أو لم ينطبق. إذن المباين رجع إلى هذه الأقسام ولا يكون قسما برأسه.
وبهذا اتّضح أن تمام الدعاوى في المقام قد تبرهنت على أساس هذا التفسير ، على أساس تفسير العرض الذاتي بأنه ما كانت ذاتيته بلحاظ المنشئية ، منشئية الموضوع للمحمول ، لا بلحاظ محلية الموضوع للمحمول.
وعليه : فالعرض الذاتي هو ما يعرض بلا واسطة أصلا ، أو بواسطة أمر مساوي داخلي أو خارجي ، دون ما يعرض بواسطة أمر أخص ، أو أعم ، أو مباين.
هذا تمام الكلام في الجواب عن الإشكال الأول المعنون في أول البحث.
لكن بقي عندنا عدة أمور لا بد من التنبيه عليها تباعا :
الأمر الأول : وهو أننا قلنا : إنّ الملحوظ في الذاتية ليس هو نسبة المحلية ، بل هو نسبة المنشئية والعلّية ، فكون شيء محلا ، أو مادة للعرض ، بحيث يكون معروضا له ، هذا ليس هو مناط الذاتية ، لكن يجب الالتفات هنا إلى مطلب وهو : إن المعروض ، يعني حامل العرض ، هو بحسب الحقيقة أحد العلل بالنسبة إلى العرض ، لأنه علة مادية له ، حيث ذكر الحكماء أن العلل أربعة للشيء : ـ المادة ـ الصورة ـ الفاعل ـ الغاية ـ.