المادة هي بنفسها علة بنحو من الأنحاء ، وبمعنى من المعاني للعرض أيضا ، ولكن هذه العلة طبعا ليست علة تامة. مثلا ـ الخشب مادة للسرير ـ الخشبية علة مادية للسريرية ، لكن لا يكفي من أجل أن يصير الخشب سريرا أن يكون خشبا ، بل لا بد وأن ينضم إلى ذلك ، العلة الفاعلة والعلة الغائية ـ يأتي نجار ، ويقصد أن يصنع سريرا من أجل النوم. ـ حينئذ يتحوّل هذا الخشب إلى سرير. فهي علة مادية بمعنى كونها بالإمكان والقبول ، دون أن تستتبع حتما وجود السرير ، وحينذاك لا يكون العرض عرضا ذاتيا بالنسبة إلى المادة ، لأن المادة لا تستتبع ذلك العرض ، وإنما هي محل له ، فلو أردنا أن نؤسس علما نجعل موضوعه الخشب مثلا ، فليس السريرية عرضا ذاتيا بالنسبة إلى ذلك الخشب ، لأن مادة الخشب وإن كانت علة مادية للسريرية بمعنى أنها حامل السريرية ، ولكنها لا تستتبع السريرية بل هي بالإمكان من ناحية السريرية.
نعم قد يتفق أن تكون المادة سنخ مادة يكون فرضها في الخارج منطويا دائما ومساوقا دائما لفرض تمامية الفاعل والغاية أيضا ، بحيث يكون فرض المادة في الخارج مساوقا لفرض الفاعل والغاية أيضا من قبيل النبات ـ فمادة النبات ـ يعرض له أعراض من الموت ، والحياة ، والتغذية ، والنمو ونحو ذلك. لو أسّسنا علما نبحث فيه عن هذه المادة المخصوصة لبحثنا عن هذه الأعراض لأنها أعراض ذاتية للمادة ، وإن كان بحسب الحقيقة فاعل هذه الأعراض فاعل فوق الطبيعة. وليست المادة هي فاعلة النمو ، والتغذية ، والتوليد ، والموت ، والحياة ، ونحو ذلك ، فما هو الفاعل لهذه الأعراض ـ فاعل غير طبيعي هو فوق الطبيعة.
ولكن حيث أن فرض هذه المادة المستعدة خارجا مساوق تمامية المطلب ، لأن الفاعل لا قصور فيه من حيث أنه فاعل ، وإنما ينتظر فقط لفرض أن تكون المادة مستعدة ، وبمجرد أن تكون المادة مستعدة تفاض عليها أعراضها من الموت ، والحياة ، والنمو ، وغيره ، ففي مثل ذلك يكون العرض عرضا ذاتيا بالنسبة إلى المادة ، لأن المادة تستتبع العرض ولو باعتبار أن فرضها في الخارج مساوق لفرض تمامية سائر الجهات ، ولا نريد بكون شيء عرضا ذاتيا لشيء