يستحيل أن لا يكون فقيرا ، وإنما نعلم بثبوت المحمول للموضوع دون أن نعلم باستحالة أن لا يكون فقيرا.
هذا العلم في نظرهم ليس علما برهانيا ، بل هو علم قابل للزوال وللمحو ، لأنه علم بثبوت المحمول للموضوع ، يعني ثبوت الفقر لزيد ، لا بلحاظ الحيثية المستدعية بالضرورة لذلك.
النحو الثاني : أن نعلم بثبوت المحمول للموضوع ، ونعلم بأنه يستحيل أن لا يكون الموضوع موصوفا بهذا المحمول. مثلا : نعلم بأن زوايا المثلث تساوي قائمتين ، ونعلم بأنه يستحيل أن لا تكون زوايا المثلث مساوية لقائمتين. هذا العلم هو الذي يصطلحون عليه بالعلم البرهاني ، وهذا يكون حين يكون الموضوع بنفسه مستدعيا للمحمول ، أو يكون هناك حد أوسط بين المحمول والموضوع ، ويكون هذا الحد الأوسط مستدعيا للمحمول ، وهو بنفسه ناشئ من الموضوع ، بحيث يكون المحمول ناشئا من الحد الأوسط ـ أي ثبوت المحمول للموضوع ناشئ من الحد الأوسط ، والحد الأوسط ناشئ من الموضوع. في مثل هذه الحالة حينئذ يصبح العلم علما برهانيا لأنه علم بأن المحمول يستحيل أن يتخلف عن الموضوع ، لأن الموضوع مستدع له بلا واسطة ، أو بواسطة الحد الأوسط ، هذا الذي يسمونه بالعلم البرهاني.
وهم حين يقولون بأنه يجب أن يبحث في العلوم عن العوارض الذاتية ، يريدون بذلك ، العلم البرهاني الذي يطلب علما برهانيا ـ يعني يطلب علما بثبوت المحمول للموضوع ، وعلما بأنه يستحيل أن لا يكون المحمول ثابتا للموضوع ، ومثل هذا لا يتصور إلّا في العوارض الذاتية ، بالمعنى الذي نحن بيّناه للعوارض الذاتية ، يعني الذاتية من حيث المنشئية ، فإن العرض إذا كان ذاتيا للموضوع من حيث المنشئية ، بمعنى أن يعرض عليه بلا واسطة ، أو بواسطة أمر مساوي ، هو الحد الأوسط ، فحينئذ يكون العلم بثبوت المحمول للموضوع علما برهانيا.
وأما إذا لم يكن هكذا ، وكان المحمول قد علم بثبوته للموضوع ، لكن لم يعلم لا بمنشئية الموضوع له بلا واسطة ، ولا بمنشئيته لشيء ، ذاك الشيء يكون