تحقيق الكلام في المسلك الثاني
وتحقيق الكلام في هذا المقام : إن هذه الاعتراضات الخمسة التي تقدمت ، وإن لم تكن صحيحة في نفسها ، كذلك أصل هذا المسلك الثاني فإنه غير صحيح في نفسه ، وغاية الأمر يجب أن يبين الاعتراض بتعبير آخر حتى يكون اعتراضا واردا على هذا المسلك ، وحاصل التعبير المناسب في الاعتراض على هذا المسلك هو أن يقال في قولنا ـ سرت من (البصرة) إلى (الكوفة) ـ أنه يوجد عندنا شيئان :
أ ـ مفهوم الابتداء ، وهو كون السير ابتداء من (البصرة).
ب ـ النسبة الواقعة بين السير و (البصرة).
وهذان الأمران مختلفان حقيقة. فإنّ مفهوم الابتداء من المفاهيم الاستقلالية في ذاتها ، فهو مفهوم قابل لأن يوجد بوجود استقلالي في عالم الذهن ، بحيث كل إنسان يستطيع أن يتصور هذا المفهوم بدون أن يتصور أطرافه بحسب الخارج ، فهو بحسب قائمة المقولات المتعارفة ، قد يقال بأنه أحد المقولات العشرة ، فيندرج في مقولة الإضافة من قبيل الأبوة والنبوة ، ونحو ذلك. فهذا مفهوم صالح وقابل للوجود الاستقلالي. وأمّا النسبة القائمة بين السير و (البصرة) فهي نسبة ليست صالحة للوجود الاستقلالي في عالم الذهن ، كما سوف يتضح ذلك من الكلام في (المسلك الثالث) من أنّ النسب