أمر تعلقي ارتباطي ، ماهية ووجودا ، فهو فقير إلى الغير ، ومرتبط به.
وحينئذ نسأل أصحاب المسلك الثاني : ما ذا يريدون بهذا المعني الواحد الذي قالوا إنه هو معنى الإسم ، وهو معنى الحرف ، ولا فرق إلّا باللحاظ الآلي ، واللحاظ الاستقلالي؟ فهل يقولون إنّ معنى (من) ومعنى (الابتداء) هو مفهوم الابتداء ، أو معنى (من) ومعنى (الابتداء) هو حاق النسبة القائمة بين السير و (البصرة)؟.
فإن قالوا : بأن معنى (من) ومعنى (الابتداء) هو مفهوم الابتداء القابل للوجود الاستقلالي في عالم الذهن ، بمعنى أن الابتداء حينما يلحظ بما هو هو يعبّر عنه بكلمة الابتداء ، وحينما يلحظ بما هو طور من أطوار السير يعبّر عنه (بمن) فلا فرق بين الملحوظ الأول والملحوظ الثاني إلّا في أن اللحاظ في الأول استقلالي وفي الثاني آلي.
قلنا : بأن الابتداء ، وإن كان قابلا لكلا اللحاظين ، لكنه حينما يلحظ بما هو حالة وطور لغيره ، يشتمل لا محالة على فرض نسبة بين الابتداء والمبتدئ منه ، لأن كلا من الابتداء والسير مفهوم استقلالي ، وكل مفهوم استقلالي إذا أنيط بمفهوم استقلالي آخر ، فلا محالة يحتاج إلى رابط ونسبة بين هذين المفهومين الاستقلالين.
إذن فهنا بحسب الدقة في الابتداءات الآلية يوجد أمران : الأول الابتداء الآلي ، والثاني النسبة القائمة بين الابتداء وطرفه.
فإن قالوا : بأن (من) موضوعة للابتداء كما هو المفروض.
قلنا : فما ذا يدل على النسبة في المقام! فلا محالة نحتاج إلى دال آخر على النسبة وليس هناك دال آخر على النسبة إلّا الحرف ـ ونقصد بالحرف جميع الحروف والهيئات ـ.
إذن فلا بدّ من القول بأن الحروف موضوعة لمعنى آخر ، وتدل على معنى آخر ، وهو النسبة ، وبهذا يحصل الفرق والتغاير الذاتي بين معنى الإسم ،