وهذا المسلك له عنوان جامع ، وتحت هذا العنوان الجامع وجوه وتصويرات لهذا المسلك ، حيث أن هؤلاء المحققين ، وإن اتفقوا على عنوان جامع ، لكن كل واحد منهم ادّعى أنّ لهذا المسلك تقريبا خاصا ، ووجها خاصا ، في توضيحه وبيانه.
ولهذا سوف نتكلم أولا في جامع هذا المسلك بنحو يتوضح به حاله ، وبعد ذلك ، نتكلم في الوجوه التي تنسب إلى كل واحد من أصحاب هذا المسلك.
أما الكلام في تصوير وتوضيح هذا المسلك ، يتم من خلال عدة مراحل من البيان :
المرحلة الأولى : إننا حينما نواجه قضية خارجية ، من قبيل قضية اشتعال النار في الموقد ، ننتزع منها مفاهيم عديدة موازية ومطابقة مع الحقائق التي نواجهها في هذه القضية ، فننتزع مثلا مفهوم النار ، ومفهوم الموقد ، وشيئا ثالثا بإزاء العلاقة القائمة بين النار والموقد.
ونحن إذا لاحظنا جملة من هذه المفاهيم ، كمفهوم النار والموقد ، في عالم الذهن ، نراها بالنظر التصوري ، عين حقائقها ، وبالنظر التصديقي غير حقائقها ، كما بيّنا ذلك سابقا ، وقد بيّنا أيضا أن إصدار الحكم على حقيقة ، يكفي فيه ما هو بالنظر التصوري تلك الحقيقة ، ولا يحتاج إصدار الحكم إلى إحضار ما هو بالنظر التصديقي عين الحقيقة ، وحيث أن مفهوم النار ليس نارا بالنظر التصديقي ، فلذلك لا تنشأ في الذهن الخواص التكوينية للنار ، كالحرارة والإحراق ، ولهذا لا يحترق الذهن بإحضار هذا المفهوم ، لأنّ ظهور الخواص التكوينية تابع لكونه بالنظر التصديقي عين الحقيقة ، وهذا بخلاف إصدار الحكم عليه ، فإنه يكفي فيه أن يكون بالنظر التصوري عين الحقيقة.
فإذا عرفنا أن تصحيح إصدار الحكم له ملاك ، وهو أن يكون بالنظر التصوري عين الحقيقة ، وظهور الخواص التكوينية للحقيقة في عالم الذهن له