ملاك آخر مغاير للأول ، وهو أن يكون بالنظر التصديقي عين الحقيقة ، حينئذ نقول ، إنّ هذه المفاهيم التي ننتزعها من النار ، والموقد ، والعلاقة القائمة خارجا ، بعضها ننتزعها من أجل تصحيح إصدار الحكم ، من قبيل مفهوم النار ، لأن الغرض من انتزاعها ليس هو أن يحترق الذهن ، وإنما الغرض هو أن تصحّح إصدار الحكم على النار ، فانتزع مفهوم النار استطراقا حتى أحكم عليها بأنها مشتعلة ، فغرضي هو الاستطراق إلى تصحيح إصدار الحكم ، وهذا الغرض يتأتى بكون المفهوم المنتزع هو عين الحقيقة بالنظر التصوري ، وبهذا يعرف أن تمام المفاهيم التي تستحضر من أجل أن يحكم عليها أو بها ـ يعني النار والموقد ـ تنتزع بنحو بحيث تكون عين الحقيقة بالنظر التصوري ، وإن كانت مغايرة لها بالنظر التصديقي.
وأما المفاهيم التي تنتزع من العلاقات ، كالمفهوم الذي انتزعناه من العلاقة بين النار والموقد ، فهذا المفهوم وأمثاله ، ليس الغرض من تحصيله إصدار الحكم عليه ، وإنما الغرض أن أنشئ في عالم ذهني ـ بين النار الموجودة في عالم ذهني ، والموقد الموجود في عالم ذهني ـ استحكاما وارتباطا بحيث ترجع هذه المفردات إلى تصور وحداني تركيبي.
إذن فغرضي من انتزاع مفهوم عن هذه العلاقة ، ليس مجرد إصدار الحكم عليه ، بل أن تحصل في ذهني الخصائص التكوينية لهذه العلاقة ، فإنّ من شأنها أن تشدّ شيئا بشيء ، وتربط شيئا بشيء ، وأنا أريد أن اربط في ذهني بين النار والموقد.
إذن فالغرض هذا ، تعلّق بالحصول على الخصائص التكوينية للحقيقة ، لا على مجرد إصدار الحكم عليها ، والحصول على الخصائص التكوينية لا يكون إلّا ما يكون بالنظر التصديقي ، فضلا عن التصوري ، عين تلك الحقيقة ، لأن مجرد العينية بالنظر التصوري لا يكفي لظهور تلك الخصائص التكوينية.
وبناء على هذا ، فإن المفاهيم التي تنتزع بإزاء العلاقات بين الأطراف ، والتي تكون عين الحقيقة ، حتى بالنظر التصديقي ، فضلا عن التصوري ، هي