مفاهيم الحروف ، والمفاهيم التي تنتزع من الأطراف الخارجية ، كمفهوم النار والموقد ، والتي تكون بالنظر التصوري فقط عين الحقيقة هى مفاهيم الأسماء.
إذن حصّلنا فرقا جوهريا ، بين مفاهيم الحروف ، ومفاهيم الأسماء ، فالمفاهيم الاسمية الغرض منها هو إصدار الحكم عليها ، وهذا يكفي لأن تكون عين الحقيقة بالنظر التصوري ، بينما المفاهيم الحرفية الغرض منها هو أن يحصل في الذهن الخصائص التكوينية للحقيقة ، وهذا لا يكون إلّا ما يكون بالنظر التصديقي عين الحقيقة ، فضلا عن النظر التصوري.
وهذا الفرق بين المعاني الحرفية والمعاني الاسمية ، هو أحد معاني القول المعروف : بأن المعاني الاسمية إخطارية ، والمعاني الحرفية إيجادية. ومعنى كون المعاني الاسمية إخطارية ، أنه يكفي فيها انتزاع مفهوم ، بحيث يكون بالنظر التصوري والإخطاري عين الحقيقة ، وإن لم يكن بالنظر التصديقي عينها ، ومعنى كون المعاني الحرفية إيجادية ، أنه لا بدّ وأن يكون المفهوم المنتزع بإزاء العلاقات عين الحقيقة بالنظر التصديقي أيضا ، بمعنى كونه واجدا لحقيقته ، وكاملا ، عنوانا ووجودا.
المرحلة الثانية : وهي فرع عن الأولى ، حيث يتضح أنّ مدلول الحرف ليس هو مفهوم النسبة ، ولا هو مفهوم الربط ، ولا العلاقة ، ولا الابتداء ، ولا أي مفهوم من هذه المفاهيم ، وذلك لأنّ مفهوم النسبة بالنظر التصوري عين النسبة ، لكنه بالنظر التصديقي غير النسبة ، فمفهوم النسبة ، لو نظرناه بالنظر التصوري ، وقيل : ما ذا تصورتم؟ لقلنا : النسبة ، لكن ، لو قيل لنا بالنظر التصديقي أهذا الذي تصوّرتموه ، أهو نسبة بين شيئين؟ لقلنا لا ، بل هو مفهوم بنفسه ، لا يحتاج إلى شيء آخر ليتصوّر معه. وهكذا مفهوم العلاقة بالنظر التصوري علاقة ، لكن بالنظر التصديقي ليس علاقة ، بل هو مفهوم من المفاهيم القائمة بنفسها. وقد قلنا في المرحلة الأولى : إنّ معنى الحرف لا بدّ وأن يكون عين الحقيقة بالنظر التصديقي ، فضلا عن التصوري ، فهذه المفاهيم لا تصح أن تكون مداليل للحروف.