وبعد أن انتهينا من هذه المراحل الخمسة لتبيان المسلك الثالث المشهور بين المتأخرين ، يتضح من خلال ما تقدم معنى القول المعروف في هذا المسلك : بأن المعاني الحرفية إيجادية في مقابل كون المعاني الاسمية إخطارية ، وصفوة القول في ذلك أن الإيجادية لها ثلاثة أركان :
الركن الأول : هو إن المعنى الحرفي إيجادي من حيث أن الغرض منه لا يتأتى ألّا بأن يكون عين الحقيقة بالنظر التصديقي.
الركن الثاني : هو إنّ المعنى الحرفي سنخ معنى ليس له تقرّر ذاتي وماهوي ، بقطع النظر عن الوجود ، وفي مرتبة سابقة على الوجود الذهني للقضية في ذهن المستعمل والمتكلم ، فليس للمفهوم الحرفي تقرر ذاتي وماهوي أصلا ، لأنه ذاتا وماهية متقوم بشخص وجود الطرفين في أفقه. فبقطع النظر عن وجود القضية في ذهن المستعمل ، فليس للمفهوم الحرفي تقرر ذاتي وماهوي ، بخلاف المفهوم الاسمي الذي هو متقرر ذاتا ، وماهية ، بقطع النظر عن عالم الوجود.
الركن الثالث : هو إنّ المعنى الحرفي ليس نسبته إلى الخارج نسبة الكلي إلى الفرد ، بل نسبة الوجود إلى الوجود ، ونسبة المماثل إلى المماثل.
التقريب المشهوري لهذا المسلك الثالث :
لقد ذهب مشهور المحققين المتأخرين في تقريب هذا المسلك ، مذاهب شتّى : فذكر في تقريبه وجوه متعددة. ولعل التأمل والتدبر يؤدي إلى الجزم بأنّ ما سوف نذكره من الوجوه بحسب التحليل ، ترجع كلها إلى معنى واحد. فقد ادّعي أن هذا المسلك حقّق فيه كل من المحقق النائيني (١) ، والأصفهاني (قده) (٢) ، والسيد الأستاذ (٣) ، فذهب كل واحد منهم إلى وجه خاص في تقريبه. لكن بعد
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.