التأمل فيما ذكرناه في المراحل الخمسة ، يتضح أنّ هذه الوجوه المذكورة للأعلام ، ترجع إلى أمر واحد ، ولا نزاع فيما بينهم إلّا حول الاصطلاحات والألفاظ. والوجوه الثلاثة المذكورة هي كما يلي :
الوجه الأول :
إنّ الوجه الأول في تقريب المسلك الثالث ، هو ما نسب إلى المحقق النائيني (١) (قده) ، فإنه نسب إليه قوله بالمسلك الثالث ، وأنه يختلف عن صاحب (الكفاية) حيث يرى أنّ المعاني الحرفية متميزة ذاتا عن المعاني الاسمية. وقيل في توضيح مدّعاه ومراده إنه : يرى أن ما بإزاء الحرف هو الربط الكلامي ـ يعني الربط الحاصل في مرحلة الكلام بين لفظة النار ولفظة الموقد في قولنا : النار في الموقد. فهذا الربط الحاصل في مرحلة الكلام بين هاتين الكلمتين ، فرد من الربط ، وهذا الفرد من الربط هو مدلول الحرف ، وبإزاء كلمة (في).
ومن هنا كان الحرف إيجاديا في نظر الميرزا بحيث أن كلمة (في) هي التي أوجدت الربط الكلامي ، إذ لو لاها لما كان هناك ارتباط بين كلمة النار ، وكلمة الموقد. فالربط من معلولاتها وآثارها ، فهي إذن توجد معناها وهو الربط الكلامي.
وأمّا ما قيل في توضيح برهانه على مدّعاه ، فقد قيل : بأن الميرزا (قده) يرى بأن المعاني على قسمين (٢) ولا ثالث لهما : فهي إمّا إخطارية وإمّا إيجادية ، والمعنى الحرفي لا يعقل أن يكون إخطاريا ، فيتعين أن يكون إيجاديا ، لأن الإخطارية معناها هو أن يكون للفظ معنى قابل للحاظ الاستقلالي قبل التكلم ، والإيجادية هو أن يكون الحرف بنفسه موجدا للمعنى في مرحلة اللفظ والكلام. فلو كان معنى الحرف إخطاريا ، فهذا معناه أنه مفهوم قابل للحاظ الاستقلالي في نفسه ، وهذا غير معقول ، فيتعين أن يكون إيجاديا في مرحلة اللفظ والكلام.
__________________
(١) فرائد الأصول ـ الكاظمي : ج ١ / ص ١٦ ـ ١٧ ـ ١٨ ـ.
(٢) فوائد الأصول ج ١ ص ١٤.