فلو فرضنا أنّ الوجود الرابط ليس له تحقق في الخارج أصلا فهذا لا دخل له بالبحث الأصولي ، إذن هذا المطلب وهو ، هل إن هناك وجودا رابطا في الخارج ، أو ليس هناك وجود رابط. لعلّ هذا من أهم الأبحاث الفلسفية ، لكن لا دخل له بعالم الأصول ، وعالم وضع الألفاظ ، لأننا لا نقول بأن اللفظ موضوع بإزاء الوجود الرابط ، بل هو موضوع بإزاء النسبة التي هي قوام ربط القضية في عالم ذهن المتكلم.
فالاعتراضات الثلاثة غير واردة بناء على هذا التفسير ، نعم قد ترد لو كان مراد الأصفهاني (قده) هو وضع الحروف للوجود الرابط الخارجي ، والله أعلم بمراده.
الوجه الثالث :
وهذا الوجه الثالث هو مختار السيد الأستاذ ـ قدسسره ـ وحاصل هذا المسلك هو (١) : إنّ المفاهيم الاسمية قابلة للتقسيم والتحصيص إلى حصص كثيرة ، بحيث يكون المفهوم قابلا للانطباق على كل واحدة من تلك الحصص ، فالضرب مثلا مفهوم كلي له أفراد كثيرة قابل للانطباق عليها انطباق الكلي على أفراده ، فتارة الضرب في الطريق ، أخرى في السوق ، وثالثة في المقهى ، وهكذا. وكذلك مفهوم الإنسان ، فإنه مفهوم كلي قابل للانطباق على أفراده الكثيرة ، فينطبق على الإنسان الصغير ، والكبير ، والطويل ، والأسود ، والأبيض وهكذا. فإذا ما أردنا أن نعبّر عن حصة من حصص هذا المفهوم ، ونبرزها عمّا عداها من الحصص ، حينئذ أتينا بالحرف مبرزا لها ، ومميّزا عما عداها ، وهكذا فيما إذا كان الغرض قد تعلق بالأفراد ـ بأفراد الطبيعة ـ.
وأما إذا تعلق الغرض بنفس الطبيعة ، حينئذ أتينا بنفس الإسم الموضوع للطبيعة ، فتقول : الضرب موجود والإنسان موجود ، وهكذا فالإتيان بالاسم الموضوع لكلي الطبيعة لا يؤتى به لإفراز الحصة الخاصة ، وإنما يؤتى بكلمة
__________________
(١) محاضرات فياض : ١ / ٧٦.