وفي مقابل المشهور مسلك آخر اختاره السيد الأستاذ ، حيث استشكل في مذهب المشهور ، وادّعى عدم تعقل وضع الجمل للنسب ، فلم يتعقل التمامية والنقصان ، واعترض على المشهور بعدة اعتراضات ، وجعلها برهانا على مدّعاه ، حيث ذهب إلى أن الجمل التامة الخبرية ليست موضوعة للنسب ، بل موضوعة لأمر نفساني ، وهو قصد الحكاية عن ثبوت الشيء (١) ، أو نفيه. فقولنا : زيد عالم ، مفاده قصد الحكاية عن ثبوت العلم لزيد. وقولنا : زيد ليس بعالم ، مفاده قصد الحكاية عن نفي العلم عن زيد ، كما ذهب إلى أن الجمل الناقصة موضوعة للتحصيص والتضييق. فهيئة الوصف في قولنا : زيد العالم ، موضوعة لتحصيص زيد وتضييقه بنحو يكون مقيدا بالعالمية ، فليست الجمل الناقصة موضوعة للنسب بل للتحصيص.
وسوف يتضح حال هذين المسلكين وما هو الصحيح ، وذلك من خلال الاعتراضات التي وجهها السيد الأستاذ :
الاعتراض الأول : وحاصله كيف تقولون بأن الجملة موضوعة للنسبة ، مع أنه في بعض الموارد لا يتعقل ، ولا يتصور النسبة أصلا ، كما هو الحال في قولنا : شريك الباري ممتنع. فإنه لا يتعقل نسبة خارجية بين شريك الباري والامتناع لأن تحقق النسبة فرع تحقق طرفيها ، وهنا لا يعقل أن يتحقق شريك الباري لكي تنشأ نسبة بينه وبين الامتناع.
وكذلك الحال في قولنا : العنقاء ممكن ، لا يعقل فرض نسبة بين العنقاء والإمكان ، لأن قيام النسبة في الخارج بين هذين الطرفين فرع وجود الطرفين ، مع أن العنقاء لا وجود لها في الخارج.
ففي أمثال هذه الجمل لا تتصور النسبة مع أنها صحيحة ، نحويا ولغويا.
فهذا دليل على أن مفاد الجملة ليس هو النسبة ، بل هو أمر نفساني ،
__________________
(١) محاضرات فياض : ج ١ / ص ٨٥ ـ ٨٨.