الاعتراض الثاني :
وهذا الاعتراض مبني على مسلكه في باب الوضع ، حيث ذهب إلى أنّ الوضع عبارة عن التعهد ، ومن الواضح أنّ الواضع لا يتعهد إلّا بما يكون تحت مقدوره واختياره. أمّا ما لا يكون تحت الاختيار ، فلا معنى للتعهد به ، وعلى هذا فالنسبة بين (زيد) و (عالم) ليست تحت اختيار الواضع ، ولا تحت اختيار المستعمل ، فلا يستطيع الواضع أو المستعمل أن يجعل زيدا عالما وبكرا جاهلا ، فمثل هذا التعهد فضولي ، لأنه خارج عن الاختيار ، وما يمكن أن يكون تحت الاختيار ويتعهد به ، إنما هو أمر نفساني ، وهو قصد الحكاية عن علم زيد مثلا ، فهو مطلب يرجع إلى الواضع أو المستعمل ، فيمكنه أن يتعهد به.
وهذا الاعتراض غريب ، لأننا إذا جارينا هذا الطراز من التعبير ، فحينئذ ما ذا نقول عن الحروف التي قال السيد الأستاذ فيها : إنها موضوعة لتحصيص المفاهيم الاسمية!. فهل إن التحصيص تحت الاختيار حينما نقول مثلا : الإنسان في السماء ممكن؟. وما ذا نقول عن المفاهيم الإفرادية.
فمثلا كلمة (زيد) موضوعة لابن خالد ، فهل إنّ ابن خالد تحت اختيار الواضع؟. وحلّ هذه المغالطة بناء على مسلك التعهد ، أنه لا إشكال في أن المتعهّد به ، وما هو تحت الاختيار ، هو أمر نفساني دائما ، ففي الكلمات الإفرادية (زيد ، أو نار) المتعهّد به هو القصد النفساني ، هو قصد انتقاش صورة زيد في ذهن السامع ، تصورا ، أو إخطار صورة النار في ذهن السامع تصورا ومعنى قولنا إنّ (من) موضوعة للتحصيص ، أنه تعهدنا بأن نقصد إخطار صورة التحصيص تصورا في ذهن السامع. وحينئذ في الجملة التامة (زيد عالم) المشهور يقولون إنّها موضوعة للنسبة ، وهذا لا ينافى التعهد ، إذ لو قلنا بالتعهد ، فمرجع هذا إلى أن الواضع تعهد بأن يقصد إخطار صورة هذه النسبة تصورا في ذهن السامع ، وهذا أمر معقول.