فمثلا حينما يسألني سائل عمّا في يدي ، فتارة أقول سبحتي ، وهذا إخطار لصورة السبحة بنحو حكائي ، لأن ذهن السائل ينتقل إلى اللفظ الحاكي ، ومنه إلى المعنى المحكي ، فهنا انتقالان ذهنيان. وأخرى أفتح يدي ، وأريه السبحة ، وهذا إخطار للمعنى بنحو إيجادي مباشر ، لأن ذهن السائل لا ينتقل من شيء إلى السبحة ، بل ينتقل إليها ابتداء ، فهنا انتقال ذهني واحد.
ومن الواضح أن إخطار المعنى بالوسيلة الحكائية ، هو الاستعمال الذي يحتاج إلى مصحّح ، لأن يحكي شيء عن شيء آخر. وهذا المصحّح : إمّا الوضع كما هو الحال في باب الحقيقة ، وإمّا الطبع كما هو الحال في باب المجاز.
وأمّا إخطار المعنى بالوسيلة الإيجادية فهذا لا يحتاج إلى المصحّح الوضعي ، ولا الطبعي ، بل إنّ نفس القضية تكوينا تقتضي أن كل إنسان إذا أحسّ بشيء انتقشت صورته في ذهنه ، فهناك ملازمة تكوينية بين الإحساس بالشيء ، وانتقاش صورته في الذهن.
ومن الواضح أن الوسيلة الإيجادية هي الوسيلة الأولية في مقام إحضار المعنى ، فإن الإنسان يتاح له الوسيلة الإيجادية باعتبار هذه القضية التكوينية ، بقطع النظر عن كل لغة ، وعن وضع كل واضع.
وأما الوسيلة الحكائية فهي وسيلة ثانوية في المقام لاحتياجها إلى عناية وضع ، أو عناية طبع.
وهناك فرقان أساسيان بين الوسيلتين :
الفرق الأول : مفاده أن الوسيلة الإيجادية لا يمكننا اتخاذها إلّا فيما إذا كان المعنى المراد إحضاره في الذهن معنى جزئيا خاصا ، بخلاف الوسيلة الحكائية ، فإنها تفيد حتى في إحضار المعنى العام.
وتوضيح ذلك : أن في موارد الوسيلة الإيجادية نوجد شيئا بقصد إخطاره