احتمال القرينة المنفصلة بالبناء على عقد اللفظ على المعنى الموضوع له.
فإن قيل : إنه إذا شكّ في القرينة المنفصلة ، يجري أصالة عدم القرينة ، فإن أصالة عدم القرينة من الأصول العقلائية ، فإن العقلاء إذا شكوا في القرينة المنفصلة ، أجروا أصالة عدمها ، فإذا أجرينا أصالة عدم القرينة المنفصلة ، حينئذ نكون قد أحرزنا موضوع التعهد وموضوع الدلالة الوضعية ، وإذا تمّ بذلك الدلالة الوضعية ، حملنا اللفظ على معناه الحقيقي.
كان الجواب : إن أصالة عدم القرينة الذي هو أصل من الأصول العقلائية ، لا يجريه العقلاء من باب التعبد الصرف ، وإنما يجرون أصالة عدم القرينة المنفصلة ، من باب أن القرينة المنفصلة على خلاف ظهور اللفظ ، وعلى خلاف دلالة اللفظ. إذن فأصالة عدم القرينة المنفصلة حيث أنها أصل عقلائي ، والعقلاء ليس عندهم أصول تعبدية من قبيل الشارع ، بل هي أصول استظهارية ، إذن فأصالة عدم القرينة عند العقلاء ، إنما هو باعتبار أن القرينة المنفصلة يرونها أنها على خلاف ظهور اللفظ ، وعلى خلاف دلالة اللفظ ، ولهذا يقولون إنّ الأصل عدمها. إذن فهذا الأصل إنما يجري لو فرغ قبله عن دلالة اللفظ ، فكيف يمكن نشوء دلالة اللفظ من أصالة عدم القرينة؟! بل لا بدّ أن يفرض أنّ الدلالة الوضعية تامة في نفسها وفعلية ، حينئذ عند فعلية الدلالة الوضعية إذا شكّ في أنّ المتكلم هل ينصب قرينة ، أو لا ينصب على خلاف دلالة اللفظ ، يقال إنّ الأصل أنه لا ينصب قرينة ، لأنّ هذا خلاف الدلالة الوضعية للّفظ.
أمّا في محل الكلام : فدلالة اللفظ الوضعية هي أوّل الكلام ، لأنّ المفروض أنها منوطة بعدم القرينة ولو منفصلة ، إذن فهذه الصيغة الرابعة غير صحيحة ، والنكتة في عدم صحة الصيغة الرابعة هو هذا الذي أوضحناه ، من أن مرجع الصيغة الرابعة إلى أنّ الدلالة الوضعية للفظ على المعنى ، التي نشأت من التعهد ، مشروطة بعدم قيام القرينة ، ولو منفصلة.
إذن فمع الشك في قيام القرينة ولو منفصلا ، يشك في الدلالة الوضعية ، ومعه كيف يحمل اللفظ على المعنى الحقيقي ، ولا تجري أصالة عدم القرينة