للوضع والقرن ، ولا تقييدا للملازمة ، بل هو تحصيص لأحد طرفي القرن ، وأحد طرفي الملازمة. وهذا أمر بيد الإنسان ، فتارة يقرن بين زيد والمعنى على الإطلاق ، وأخرى يقرن بين زيد المنوّن والمعنى ، بأن يأخذ التنوين قيدا في زيد ، أو يأخذ قيد الطول مثلا. فمتى ما سمعنا كلمة (زيد) تصورنا الإنسان الطويل ، فهذا أمر معقول أن يأخذ القيد في اللفظ أو في المعنى. أمّا تقييد نفس الوضع فهو أمر غير معقول.
إذن فتصحيح تبعية الدلالة للإرادة بهذا البيان المذكور من كون الوضع من قبيل المجعولات التشريعية هو غير صحيح.
وبقي في المقام فرضان آخران وهما : هل إنّ أخذ الإرادة قيد في اللفظ ، يصحّح تبعية الدلالة للإرادة ، أو إنّ أخذ الإرادة قيد في المعنى يصحح ذلك؟.
والصحيح إنه لا يصحح :
فأما أخذ الإرادة قيدا في المعنى : إن أريد به مفهوم الإرادة ، فاللفظ يدل على مفهوم الإرادة ولو صدر من نائم ، وهذا غير تبعية الدلالة للإرادة كما هو واضح ، فإن دلالة اللفظ على المفهوم لا يتوقف على وجود ذلك المفهوم خارجا ، فإن اللفظ يدل على المفهوم سواء أكان هذا المفهوم موجودا في الخارج ، أو لم يكن موجودا في الخارج.
وإن أريد به الوجود الخارجي للإرادة فهو غير معقول كما سبق.
إذن فتبعية الدلالة للإرادة ، لا يتصور بناء على مسلك الاعتبار ، كما لا يتصور بناء على مسلك التعهد.
وأما في الفرض الثاني وهو أخذ الإرادة قيدا في اللفظ كما يأخذ التنوين في اللفظ ، فقد يتوهم أن اللفظ المقيّد بأن يكون معه إرادة هو مقرون مع المعنى الفلاني ، فاللفظ الذي ليس معه إرادة ليس مقرونا بذلك المعنى ، إذن فلا يدل عليه ، فتكون الدلالة تابعة للإرادة.