الاستدلال بأحد المتلازمين على الملازم الآخر.
ولم يستنتج استنتاجا أرسطيا بأن قال : ما دامت أمي تعهدت بأنها لا تأتي بكلمة (ماء) إلّا إذا أرادت المعنى الفلاني ، وما دامت أمي عاقلة ، والأصل في العاقل أن يفي بتعهداته ، وما دامت قد قالت كلمة (ماء) ، فلا بدّ أن تكون قد قصدت هذا المعنى.
وهذا الاستدلال كيف يمر على ذهن طفل! بل إن هذا لا يمر على ذهن الكبير ، فضلا عن الطفل.
إذن فبوجدان هذا الطفل يعرف : أن عملية فهم المعنى من اللفظ ، له سنخ ملاك سابق على الاستدلالات المنطقية ، وهذا الملاك السابق على الاستدلالات المنطقية ، لعلّه وحده كاف في تصوير الوضع بلا حاجة إلى الالتزام بهذا التعهد ، فما دام بنحو الإجمال ، وبنحو البرهان الإنّي ، نعرف إجمالا أنّ هناك ملاكا لانتقال من اللفظ إلى المعنى ، قبل أي استدلال أرسطي ، ببرهان أن الطفل يفهم المعنى.
إذن فلعلّ تلك النكتة التي هي ملاك الانتقال قبل كل استدلال برهاني ، لعلّها هي الوضع ، فلا بد من الكشف عن هذه النكتة ، وإجلاء هذا الملاك لنرى هل تكفي هذه النكتة أو لا تكفي؟ وسوف يتضح أنها وحدها كافية.
وبشكل آخر لكلمتنا الثانية نقول : إنّ القائلين بالتعهد يحاولون أن يفسروا انتقال ذهن السامع من اللفظ إلى المعنى ، بأنه مبني على أن السامع يعلم بتعهد الواضع المتكلم ، وهو أن يأتي باللفظ متى ما قصد تفهيم المعنى ، فهو تعهد بقضية شرطية ؛ وبسبب هذا يعلم السامع بأنه وجدت ملازمة ببركة هذه القضية الشرطية بين شرطها وجزائها ، فحينئذ إذا وجد أحد طرفي القضية الشرطية ، انتقل الذهن إلى الطرف الآخر ، فيكون انتقال ذهن السامع من اللفظ إلى المعنى بسبب اعتقاده بالملازمة بين الشرط والجزاء في القضية الشرطية الناشئ من علمه بالتعهد من قبل المتكلم.