ومن الواضح أن الطفل في بداية عمره إذا سمع اللفظ مستعملا في معنى معين مرارا متعددة ، سوف ينتقل إلى ذهنه المعنى من اللفظ.
حينئذ نسأل أصحاب التعهد ، بأن الطفل إذا سمع أمه مائة مرة أو أكثر أو أقل تقول : حليب ، وتريد هذا المعنى ، فانتقل ذهنه إلى هذا المعنى ، هل أن الطفل استكشف بعد هذه الاستعمالات ، تعهدا من قبل أمه ، بأن لا تأتي بلفظة (حليب) إلّا إذا قصدت المعنى الفلاني ، واستنتج من تعهد أمه هذا وجود ملازمة ما بين الشرط والجزاء في هذه القضية الشرطية ، وأخذ يستدلّ على وجود أحد الطرفين بوجود الطرف الآخر؟.
أو إنه ابتداء ، بمجرد أن أصبح ذهنه مأنوسا بكثرة الاستعمال بلا أن يعرف الوضع ، أو التعهد ، أو الملازمة ، أصبح ذهنه ينتقل من اللفظ إلى المعنى؟.
فإن قالوا : بأن الطفل استكشف تعهدا من الأم ، واستنتج من ذلك الملازمة.
قلنا : هذا بديهي البطلان بالنسبة إلى الطفل ، لأنّ الطفل لا يمكنه أن يستنتج هذه الاستنتاجات الاستدلالية في المقام ، وإلّا كان عالما.
وإن قالوا : بأن الطفل ينتقل ذهنه مباشرة إلى المعنى بمجرد أن يحصل أنس في ذهنه من سماع اللفظ مرات عديدة ، من دون أن يكون مطّلعا على الملازمة بين اللفظ والمعنى ، وعلى تعهد الأم على أن لا تأتي باللفظ إلّا إذا قصدت تفهيم المعنى.
قلنا : إذن فيثبت بذلك أن انتقال ذهن السامع من اللفظ إلى المعنى ، له نكتة محفوظة ، بقطع النظر عن العلم بالتعهد والعلم بالملازمة.
أمّا ما هي هذه النكتة؟ فيأتي بحثها في آخر المسألة. هذا خلاصة الكلمة الثانية.