إذن بناء على هذه البيانات ، فالظن كبير بأن الألفاظ فضلا عن المعاني ، كانت موجودة في البيئة العربية قبل الإسلام ، وأنّ النبي (ص) لم يخرج عن حدود هذه الأعراف اللغوية الموجودة قبله. فدليل أن النبي مخترع ، وكل مخترع يكون واضعا ، فهو غير تام. وعليه : فلا دليل على الوضع التعييني الاستعمالي.
دفع ورد :
هل حصل الوضع الشرعي بكثرة الاستعمال وهو المسمّى بالوضع التعيني ، أو إنه حصل بالوضع التعييني الاستعمالي؟.
هذا الكلام كأنه يفترض أصلا موضوعيا ، وحاصل هذا الأصل : إنّ النبي (ص) قد استعمل اللفظ في المعنى الشرعي ، فبعد الفراغ عن هذا الأصل يقع الكلام في حصول الوضع بهذا الاستعمال ، إمّا من باب الكثرة ، وإمّا من باب إيجاد الوضع بالاستعمال ، وعدم حصوله.
وهناك من استشكل في هذا الأصل الموضوعي بأن النبي (ص) لم يستعمل اللفظ في المعنى الشرعي أصلا ، وإنما استعمله في المعنى اللغوي ، وأراد المعنى الشرعي بنحو تعدد الدال والمدلول ، بتقريب أن نسبة المعاني الشرعية إلى المعاني اللغوية للألفاظ هي نسبة الحصص إلى الجامع ، فالصوم الشرعي حصة من المعنى اللغوي للصوم ، والصلاة كذلك ، باعتبار أن معناها اللغوي هو التوجه والانعطاف ، فبالإمكان افتراض أنّ النبي (ص) لم يستعمل اللفظ في الحصة بما هي حصة ، وإنما استعمل اللفظ في الجامع وخصوصية الحصة أفيدت بدال آخر ، والدال الآخر قرينة عامة ارتكازية. فبناء على هذا لم يحصل استعمال اللفظ مجازا مرارا عديدة ، إذن فلم يحصل الوضع التعيني بكثرة الاستعمال.
ولكن هذا الإشكال غير وارد في المقام ، لأنّ مضمون هذا الإشكال هو جمود على عنوان أن الوضع التعيني يحصل بكثرة الاستعمال للفظ في المعنى