القسم الثاني : وقد يكون الوضع وضعا اعتباريا ، يعني يعتبر كون اللفظ موضوعا عليه دون أن يكون موضوعا عليه حقيقة. وهذا بابه باب وضع الألفاظ للمعاني عند صاحب هذا الوجه ، ويكون هذا اللون من الوضع في مقابل الوضع الحقيقي ، فكما أنّ وضع العلم حقيقة على رأس الفرسخ أو البئر ، يكون منشأ لدلالة العلم على رأس الفرسخ أو البئر ، كذلك وضع اللفظ اعتبارا على المعنى ، يكون منشأ لدلالة اللفظ على المعنى.
هذا هو الوجه الأول من وجوه مذهب الاعتبار ، وقد اعترض عليه السيد الأستاذ (١) باعتراضين مترتبين ، بمعنى أنّ ثانيهما ينشأ من أولهما :
الاعتراض الأول : هو أن وضع اللفظ للمعنى ليس مرجعه إلى اعتبار وضع من هذا القبيل ، لأنّ وضع العلم على رأس الفرسخ هذا فيه ثلاثة عناصر :
أحدهما : الموضوع وهو العلم.
والثاني : الموضوع عليه وهو المكان.
والثالث : الموضوع له وهو ما يكون دالّا عليه وهو عبارة عن كونه رأس الفرسخ.
فهذه ثلاثة عناصر موضوع وموضوع عليه وموضوع له ، الموضوع هو العلم. والموضوع عليه هو هذا المكان. والموضوع له هو رأس الفرسخ.
فلو قيل بأن وضع اللفظ للمعنى هو اعتبار لذلك المطلب بنفسه ، إذن نحتاج إلى ثلاثة عناصر ـ موضوع ، وموضوع عليه ، وموضوع له ـ مع أنه لا يوجد عندنا إلّا عنصران ـ الموضوع وهو اللفظ ، والموضوع عليه : وهو المعنى ، ولا يوجد شيء ثالث نسميه موضوعا له ـ إذن فعملية وضع اللفظ
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ـ فياض ج ١ ، ص ٤٧ ، هامش أجود التقريرات ـ الخوئي : ص ١١ ، بدائع الأفكار ـ العراقي : ص ٣٠.