وقصدية من قبل الواضع التكويني ، لا يكون هذا الوضع دالّا على أن هذا العلم كاشف على رأس الفرسخ ، وإنما يكشف على أن هنا رأس الفرسخ ، لو انضم إلى الوضع الخارجي عناية وأمر آخر نفساني.
وبهذا تبين : إنّ الوضع الخارجي بمجرده ، لا يكون كافيا لإيجاد دلالة الموضوع على الموضوع عليه ، فكيف يكون اعتباره كافيا لذلك؟ فإن الشيء بوجوده الخارجي إذا لم يكن دالّا ، فكيف يكون دالّا بوجوده الاعتباري ما لم ينضم إليه تلك النكتة الإضافية؟ ونحن بحاجة لمعرفة تلك النكتة الإضافية وإبرازها ، وما لم نبرز تلك النكتة ونضمها إلى الوضع الخارجي ، لا يمكن القول بأن الوضع الخارجي بمجرده تحصل الدلالة.
وإن شئتم قلتم : إنّ إيجاد الشيء بالاعتبار لا يمكن أن يترتب عليه أثر في المقام ، إلّا أن وجوده الحقيقي يكون منشأ لذلك الأثر ، وفي المقام ، الوضع بوجوده الحقيقي ، ما لم ينضم إليه نكتة ، لا يكون منشأ للدلالة. إذن فاعتباره أيضا ما لم ينضم إليه نكتة ، لا يكون منشأ للدلالة ، فلا بد من صرف عنان الكلام إلى بيان تلك النكتة. هذا هو الجواب عن الوجه الأول في المقام.
الوجه الثاني :
الوجه الثاني من وجوه تصوير هذا المسلك هو أن يقال : بأن الوضع هو عبارة عن الاعتبار ، والمعتبر هو كون اللفظ عين المعنى ، وكون اللفظ وجودا للمعنى ، فكأن الواضع حينما يلتفت إلى اللفظ والمعنى ، فهو يرى المغايرة بينهما ، لأنّ الحيوان المفترس شيء ، ولفظة ـ أ ـ س ـ د ـ شيء آخر ، فهو مغاير ومباين لتمام المعنى ، والمباين لا يكون دالّا على مباينة.
ومن أجل أن يوجد دلالة اللفظ على المعنى ، يعتبر أن اللفظ وجود للمعنى ، فإذا اعتبر كون اللفظ وجودا للمعنى ، فحينئذ يكون اللفظ بواسطة كونه وجودا للمعنى بالاعتبار ، دالّا على المعنى ، لأنه بهذا الاعتبار هو نفسه وعينه. ومن المعلوم حينئذ أنه إذا كان اللفظ نفس المعنى ، فيمكن للفظ أن