وإذا اتضح الفرق بين باب التنزيل ، وباب الاعتبار نقول :
إنه يمكن أن يدعي صاحب هذا الوجه الثاني لمسلك الاعتبار ، أن الوضع ليس هو تنزيل الواضع للفظ منزلة المعنى ، حتى نسأله أنّه منزل بأي أثر ، بل هو اعتبار ، فرض أن اللفظ وجود للمعنى ، من قبيل أن نفرض أن وجود العالم وجود للأحكام ، فهذه اعتبارات سهلة المئونة ، لا تحتاج إلى وجود أثر شرعي للمنزل عليه يسري إلى المنزل.
وبهذا يندفع الإشكال. فإنه كما صحّ عند الميرزا وأصحابه جعل الإمارة علما وقطعا مع أنه لا يوجد أثر شرعي للقطع الطريقي ، كذلك يصح جعل اللفظ للمعنى ، مع أنه لا يوجد أثر للمعنى. هذا بالنسبة إلى الأمر الأول.
وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني : فقد يقال : إنه لو سلّمنا أنّ باب الوضع هو باب التنزيل ، لا باب الاعتبار ، فحينئذ ، اللفظ لا يترتب عليه أثر من آثار المعنى ، فكيف يكون قائما مقامه ومنزلا منزلته؟.
وقد يجاب عن هذا بأن يقال : إنه إن كان المقصود من أثر المعنى الأثر الخارجي ، ككون الأسد يأكل ، ويشرب ، وغير ذلك ، فهذا صحيح بحيث أن هذا لا يترتب على لفظة (أسد) ، إلّا أن هناك أثرا مهما من آثار المعنى ، مترتب على اللفظ ، وهو أن المعنى كان له خصوصية ، وهي الإحساس بالحيوان المفترس ووقوع العين عليه خارجا ، بحيث يوجب تصور صورته ذهنا. فهذا أثر من آثار المعنى ، وهذا الأثر والخصوصية تحصل للّفظ بواسطة وضعه للمعنى ، فإنه متى ما وقع اللفظ في حسّنا بأن رأينا كلمة (أسد) ، أو سمعناها ، أو قرأناها ، فحينئذ ، ينتقل إلى ذهننا صورة الحيوان المفترس. فالخصوصية نفسها التي كانت موجودة للمعنى أصبحت موجودة للفظ ، وهي خصوصية أن الإحساس به يوجب تصوره في الذهن ، وهذه الخصوصية كانت في المعنى فقط ، وبعد الوضع أصبحت باللفظ أيضا ، فهذا أثر مهم للمعنى يترتب على