وكان أمرا واقعيا على حدّ السببية بين النار والإحراق مثلا ، فحينئذ نسأل :
إنّ الواضع الذي يصدر منه هذا الوضع ، ويجعل سببية واقعية بين اللفظ والمعنى ، هل يجعل هذه السببية مطلقا ، أو يجعلها مقيدا بصورة العلم بالوضع؟.
فإن قيل : بأنه يجعل سببية اللفظ للمعنى سببية واقعية مطلقا ، في حق كل أحد ، من دون أن يقيد مجعوله بالعلم بالوضع!.
قلنا : يلزم من ذلك حينئذ أن يكون اللفظ سببا لتصور المعنى ، وإيجاده في الذهن من حق كل واحد ، سواء أكان عالما بالوضع ، أو جاهلا بالوضع ، لأنّ المفروض أن الجاعل ، جعل السببية على الإطلاق ، ولم يقيدها بخصوص صورة العلم بالوضع ، مع أن المشاهد وجدانا أن اللفظ لا يكون سببا لتصور المعنى إلّا في مثل العالم بالوضع ، وأمّا في مثل الجاهل بالوضع فهو يسمع اللفظ ، ولا ينتقل ذهنه إلى المعنى.
وإن قيل : بأن الواضع يجعل سببية اللفظ للمعنى ، لكن مشروطا بالعلم بالوضع ، فمثلا يقول إذا كنت عالما بالوضع. فاللفظ أجعله سببا للمعنى ، فتكون سببية اللفظ للمعنى مشروطة بالعلم بالوضع.
وعليه : فحينئذ ، يلزم الدور في المقام ، وذلك لأنّ سببية اللفظ للمعنى ، هذه السببية الواقعية المجعولة من قبل الواضع ، هذه مشروطة بالعلم بالوضع ، ومتوقفة على العلم بالوضع ، فهي في طول العلم به. والوضع ما هو؟ هو نفس السببية ، لأنّ أصحاب هذا المسلك يقولون : بأن الوضع عبارة عن سببية اللفظ للمعنى.
إذن فالعلم بالوضع يكون عبارة عن العلم بسببية اللفظ للمعنى ، فيرجع أخيرا إلى أن سببية اللفظ للمعنى ، مشروطة بالعلم بسببية اللفظ للمعنى ، وهذا دور ، لأنه يلزم من ذلك أن تكون سببية اللفظ للمعنى في طول العلم بالوضع ، لأنّ كل مشروط في طول شرطه ، والشرط هو العلم بالوضع ، يعني العلم