تحقيق الكلام في جعل السببية الواقعية
صار واضحا أن هذا المسلك الثالث ، هو مسلك جعل السببية الواقعية والملازمة الواقعية بين اللفظ والمعنى ، حينئذ نسأل صاحب هذا المسلك : ما ذا يقصد بالجعل؟.
هل يقصد الجعل المباشري لهذه السببية ، أو يقصد الجعل بتوسط أمر آخر؟.
فإن كان يقصد الجعل المباشري للسببية ، بمعنى أن اللفظ بحسب طبعه ليس سببا للانتقال إلى المعنى ، ولكن الواضع يجعل هذه السببية جعلا مباشريا ابتدائيا ، فيخلق في اللفظ سببية واقعية للانتقال إلى المعنى :
فإن كان يقصد هذا المعنى ، فهذا غير معقول في نفسه في سائر موارد عالم التكوين ، لأنّ السببية بين الأشياء ذاتية للسبب ، وهي غير مجعولة ، وغير قابلة للجعل ، فلا يمكن أن نجعل ما ليس سببا للحرارة بذاته سببا للحرارة ، فالماء مثلا : ليس بسبب للحرارة ، فلا يمكن أن نجعله سببا للحرارة.
نعم يعقل أن يوجد فيه ما هو سبب ، وذلك بأن نجعل هذا الماء حارا ، ومن المعلوم أن الحرارة سبب للحرارة ، فإذا جعلنا فيه الحرارة بوضعه على النار ، فقد صار هذا الماء سببا للحرارة ، ولكن هذا ليس بابه باب السببية المباشرية ، فإنّ ما هو سبب الحرارة هو نفس الحرارة ، ونحن قد جعلنا