الجهة الأولى
في تشخيص حقيقة (الوضع)
فممّا لا إشكال فيه ، ان اللفظ مع المعنى ، بينهما في ذهن الإنسان العالم بالوضع ، سببية حقيقية في عالم. الوجود الذهني ، بمعنى أنّ الوجود الذهني للّفظ في ذهن الإنسان العالم باللغة ، يكون سببا حقيقيا لوجود المعنى في ذهنه. فهناك سببية وملازمة حقيقية في عالم الوجود الذهني ، بين الوجود الذهني للّفظ ، والوجود الذهني للمعنى ، فمتى ما سمع الإنسان العالم باللغة كلمة (ماء) ، انتقش في ذهنه تصور معنى الماء ، وهو المسمّى بالدلالة التصورية.
فهذه الدلالة التصورية ، معناها بحسب الدقة الملازمة والسببية بين الوجود الذهني التصوري للّفظ ، وبين الوجود الذهني التصوري للمعنى.
كما أنه ممّا لا إشكال فيه ، أنّ هذه السببية القائمة حقيقة بين الوجودين الذهنيين للفظ والمعنى ، ليست سببية ذاتية ، بحيث لا تحتاج إلى جاعل ، وإلى سبب خارجي ؛ يعني إنّ اللفظ بذاته ، لا يكون سببا لانتقاش المعنى في ذهن السامع ، ما لم ينضم إليه أمر خارجي ، وإلّا لما اختلف الناس باختلاف علمهم بالوضع ، وجهلهم بالوضع ، فلو كان اللفظ بنفسه سببا لانتقاش المعنى في الذهن إذن لما اختلف العالم بالوضع (١) عن الجاهل بالوضع بشيء.
__________________
(١) محاضرات أصول الفقه ـ فياض ـ ج ١ ص ١ ـ ٤٢ ـ ٤٣.