المسلك الأول
١ ـ مسلك التعهد
وهو المسلك الذي اختاره السيد الأستاذ (١) ـ دام ظله ـ وجماعة من المحققين قبله ، وحاصل هذا المسلك هو : إن هذا الأمر الخارجي الذي نسميه بالوضع ، والذي ببركته وبسببه صار اللفظ سببا لانتقاش المعنى ، وللدلالة على المعنى ، هذا الوضع ، هو عبارة عن تعهد من قبل الإنسان اللغوي ، بأنه متى ما قصد تفهيم المعنى الفلاني ، أتى باللفظ الفلاني من أجل تفهيمه.
فالوضع : عبارة عن التعهد بقضية شرطية كلية ، شرطها ـ هو أنه متى ما قصد تفهيم معنى الماء ـ ، وجزاؤها ، أتى بلفظ الماء من أجل تفهيم ذلك ـ وهذا التعهد شيء معقول بنفسه ، لأنه تعهد بأمر اختياري لهذا الإنسان ، وكل إنسان من حقه أن يتعهد بما يكون أمرا اختياريا له ، فإذا تعهد الإنسان اللغوي ، بأنه متى ما قصد تفهيم المعنى ، أتى باللفظ الفلاني ـ لفظ الماء ـ نشأ ببركة هذا التعهد ، عهد ، من قبل هذا الشخص بالقضية الشرطية ، وبضم أصالة وفاء العقلاء بتعهداتهم ، تحصل هناك ملازمة بين اللفظ والمعنى ؛ بمعنى أنه متى ما قال ـ ماء ـ نقول ، إنّ هذا العاقل وفى بتعهده ، لأنّ الأصل في العاقل الوفاء بتعهده ، فما دام أنه تعهد بالإتيان بلفظ الماء لتفهيم المعنى الفلاني ، وما دام الأصل في العقلاء الوفاء بتعهداتهم ، إذن فنستكشف أنه بإتيانه بلفظ (الماء) أنه
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ـ فياض : ج ١ ص ٤٤.